المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

أن تتعلم التكنولوجيا متأخراً خير من ألا تتعلمها أبداً

كما فرضت التكنولوجيا معطياتها على صغار السن وبرعوا فيها، فرضتها أيضاً على كبار السن ليتعاملوا معها ويفكوا شيفراتها ويلحقوا بالركب رغم أنف العمر. فهي أسهمت في تطور الحياة وسرعة إنجاز الأعمال، وسرعان ما أصبحنا نعتمد عليها في كل جوانب حياتنا بعد أن وفرت الجهد والوقت والمال.
كشفت دراسة حديثة أعدتها إحدى الشركات الإيطالية حول إستخدام الإنترنيت بين الكبار (فوق 74 عاماً)، أن “كبار السن أصبحوا ينافسون الشباب في مهارات الإنترنت، وفي تمضية وقت طويل أمام الكمبيوتر، وأن إستخداماته أصبحت أكثر شعبية بين جميع الفئات العمرية”. كما وجدت الدراسة أن “مستخدمي الإنترنت الذين تزيد أعمارهم على 34 عاماً فما فوق، أكثر إنخراطاً في أنشطة عدة عبر الإنترنت من خلال زيارة المواقع الحكومية، والحصول على المعلومات المالية عبر الإنترنت”. وأوضحت أن “أسرع معدل نمو في عدد مستخدمي الإنترنت، كان لمن هم فوق سن 74 عاماً، وأن إستخدام مواقع الشبكات الإجتماعية تضاعف أربع مرات منذ عام 2008، وأن معظم الباحثين عن المعلومات الصحية على الإنترنت هم من كبار السن”.
– علاقة شبه معدومة:
ثمّة تجارب خاضها كبار السن مع التكنولوجيا، فمنهم من سعى بنفسه إلى التعلم من خلال الدورات وإكتساب المهارات، ومنهم من طلب المساعدة من أبنائه، وهذا ما حدث مع الدكتور أحمد الكبيسي (76 عاماً)، الذي يقول: “إنّ علاقتي بالتكنولوجيا شبه معدومة، حيث إني لا أقوم بتصفح الإنترنت والدخول إلى المواقع الإجتماعية إلا بمساعدة أبنائي، فقد تعودت أنا وجيلي على أدواتنا القديمة والتقليدية في الكتابة، وكذلك في البحث من خلال الكتب”. يضيف د. الكبيسي: “إلا أنّ هذا لا يعني أن يتخلى الإنسان عن المعرفة في الكبر، فلابدّ من المحاولة والسعي إلى طلب العلم، لأن ديننا يأمرنا بطلب العلم من المهد إلى اللحد، وحتى نهاية العمر”.
 ويقول: “إنّ الوسائط السريعة سهلت الحياة، ووفرت الجهد والوقت. فقديماً كان علماؤنا يتجشمون عناء السفر من أجل توثيق صحة حديث أو معلومة، ويبذلون من الجهد والوقت والمعاناة الكثير. أمّا الآن ففي إمكان الباحث أن يحصل على أي معلومة ولو كانت في أقصى الدنيا من خلال محرك البحث”.
 
– ابن الأرض والماء:
علاقة “غير ودية” تلك التي تربط بين التكنولوجيا الأديب علي أبو الريش (65 سنة). وذلك بحسب إعترافه، حيث إنّه يقول: “لا علاقة تربطني بالكمبيوتر، لأني مازلت مرتبطاً بأدواتي القديمة من الورقة والقلم في كتاباتي، لإنتماء الورقة إلى الشجرة، وإنتماء الحبر إلى كائن بحري قديم”. ويضيف: “أنا أعتبر نفسي ابن الأرض وابن الماء، ومن الصعب أن أنتقل بشكل مباغت في التعامل مع أجهزة تكنولوجية جامدة لا أشعر معها بالدفء ولا بعلاقة حميمة. ولذلك، أنا غريب على التكنولوجيا”. ويؤكد أبو الريش أنّ “هذا لا يسلب التكنولوجيا فضلها في تقديم خدمات رائعة للإنسان”، لافتاً إلى أن “إستخدامي لها في حدود المتابعة الإخبارية، والبحث عن مواد علمية. أمّا الـ”فيس بوك”، و”تويتر” وغيرهما، فهي عوالم وهمية مصطنعة لم أقترب منها”. ويوضح أبو الريش أنّه تعلم إستخدام الكمبيوتر “بعد أن تعرضت لموقف أثناء وجودي في منطقة نائية وتعذر عليّ متابعة الأخبار، وكنت وقتها رئيساً لتحرير صحيفة “الإتحاد”، فاستعنت يومها بأحد الشباب، لأتمكن من متابعة الأخبار عبر الإنترنت”، مشيراً إلى أنّ “الإنسان، عندما يجهل الشيء، يشعر نحوه بالضيق والضجر، وعندما يتعلمه يشعر بقيمته”. ويقول: “أنا دائماً أوصي أبنائي بأن يقتربوا من التكنولوجيا، لأنّها لغة عصرهم، وفي عدم إتقانهم لها خسارة كبيرة”، مشيراً إلى أنّ الـ”آي فون” أفاده كتقنية جديدة في البحث عن مواد علمية مهمة، وإن كان يضايقه “إنصراف الناس إليه وإنشغالهم به إلى درجة أنهم أصبحوا يعيشون في عوالم إفتراضية قطعت العلاقات البشرية الواقعية”.
 
– التعليم في الكبر:
“لقد محت التكنولوجيا فكرة أنّ التعليم في الكبر كالنقش على الماء” بعد أن تعلمها الكثيرون من كبار السن، يقول أستاذ اللغة العربية في “جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا” الدكتور إياد عبدالمجيد، لافتاً إلى أن تعلم التكنولوجيا بالنسبة إليه “لا يدخل ضمن دائرة الإضطرار، إنما هو رغبة ومتعة وفائدة”. ويؤمن د. عبدالمجيد “بأننا مخلوقون لزمان غير زمان آبائنا، وما دمنا نعيش عصر التحولات الكبيرة والإنفجار المعرفي الهائل، ونطلع عن كل جديد في مجال التكنولوجيا، لاسيما البرمجيات والإنترنت، فإن ذلك يحتم علينا أن نتعلمها”. ويضيف: “التكنولوجيا تشكل عصب الحياة على مختلف الصعد بأقل زمن وكلفة وجهد، وهي جعلت العالم قرية صغيرة، وكسرت كل حواجز المعرفة وصارت المعلومة متاحة للجميع، ولا أعتقد أن ساحة العلم يتهيبها المثقف والأستاذ والطالب، ولابدّ أن ننهل من الجديد بما يطور وينمي من شخصياتنا”.
 
ويتحدث الدكتور إياد عبدالمجيد عن تجربته مع التكنولوجيا قائلاً: “بدأت إستخدامها منذ عام 2002 عندما طلب منا أن نوظفها في عملنا الأكاديمي وبحوثنا، فصارت القناة المباشرة في تلقي المعلومة أو عرضها. فنحن اليوم كأساتذة لا نستغني في التعليم عن السبورة والقلم ولوحات العرض ومعامل اللغات، ولكن أضفنا إليها الـ”باور بوينت” والـ”داتا شو” وسعينا إلى توفير الإستخدامات الجيِّدة لما تتطلبه العملية التربوية”. ويوضح أنّه يتواصل مع الطلبة من خلال موقع خاص به لحل المشكلات البحثية أو المتعلقة بمسافات يقوم بتدريسها، حيث يتلقى المخاطبات والمشاركات عن طريق الحاسوب، ويطلع على تجارب الآخرين في الجامعات المختلفة. أمّا عن الـ”فيس بوك” و”تويتر”، فيقول “إنهما واجهتي اليومية، وصفحتي المهمة التي أتابع فيها المعلومات والإصدارات وأخبار الأصدقاء والعالم”، مؤكداً “أنّ التعامل مع التكنولوجيا خيار طوعي بالنسبة إليَّ، ولا أريد أن أكون خارج الركب”. ويضيف: “نعم، أنا أسأل ابني وابنتي وأصدقائي، والتحقت بالدورات التعليمية للبرامج المختلفة (ICDL)، كما أني اليوم أشارك حفيدي في لعبه السمعية والمرئية المختلفة التي يتقنها ويجيدها بمهارة وينتصر عليَّ، فأكون مسروراً مرّتين، مرّة بانتصاره وإتقانه اللعبة، وأخرى باكتشاف أخطائي التي يعلمني إياها بعفويته وبراءته”.
 
– عالم مفيد:
تختلف تجربة رجل الأعمال محمد بداه (57 عاماً) عن غيرها في مجال التعامل مع التكنولوجيا، حيث يقول: “في الحقيقة إني أستخدم أحدث الموبايلات، وإن كنت لا أجيد التعامل مع البرامج الموجودة في جهازي، لأنّها معقدة”. ويضيف: “لقد تعلمت الكمبيوتر منذ التسعينات من خلال الدورات، واستعنت في البداية بأبنائي للدخول إلى شبكة الإنترنت، كما استفدت من معلومات زوجتي في دفع فواتير الكهرباء والماء، ومخالفات المرور، وتجديد رخصة السيارة “أون لاين”..”. ويتابع: “أمّا بالنسبة إلى الهواتف المتحركة، فأنا أشتري نوعاً واحداً من الموبايلات، لأنني تعودت على البرامج والمواصفات التي يحتويها الجهاز، ولا أحبذ الـ”بلاك بيري”، لأنّه معقد”. ويختم بداه بقوله: “نحن في عصر التقنيات وعلينا جميعاً أن نتعلمها ونحسن إستخدامها نضراً إلى فوائدها التي باتت لا تحصى ولا تعد”.
 
– عالم إفتراضي:
من ناحيته، يفكر الإعلامي محمود علام (65 عاماً) في إنشاء مدونة لعرض أعماله الأدبية، ويقول في هذا السياق: “إنّ الإنترنت جعلني أعيش لحظة بلحظة مع الحدث، ومكنني من متابعة الصحف وكتابة التعليقات، ووفر عليَّ شراء الكتب”. موضحاً أنّه تعامل مع التكنولوجيا منذ أن ظهر كمبيوتر “صخر” باستخداماته البسيطة. ويقول: “إنّ الكمبيوتر يحفظ الملفات، أما الورق، فإنّه يبلى ويتلف ويضيع محتوى الكتابة”. يذكر “في عام 1994 حدثت سيول في إمارة الفجيرة وغرقت المنطقة التي كنت أعيش فيها، وضاعت معظم كتبي وأعمالي الأدبية كما تعرضت الملفات الورقية للتلف”، لافتاً إلى أنّه “لتجنب تكرار ذلك أقوم الآن بحفظ أعمالي الأدبية من أدب الأطفال في الكمبيوتر، كما أنوي عرضها في مدونة”.
ويعترف محمود علام بأن “مهارة أبنائي في الكمبيوتر تفوق مهارتي، وقد علموني التواصل على الـ”فيس بوك” والـ”مسنجر”، مشيراً إلى أنّه يفضل التحدث بالهاتف لسماع صوت المتحدث، فهذا ما تعود عليه لأبناء جيله.
 
– التواصل العائلي:
“التواصل بين الناس من ضرورات الحياة”، تقول مديرة “مركز التنمية الإجتماعية” في خورفكان فاطمة المغني، مشيرة إلى أنّ “التقدم في العمر، لا يمنع من إستخدام التكنولوجيا، لأنّها نوع جديد من الثقافة نحصل من خلالها على المعلومات بسرعة فائقة”. وتوضح: “أتواصل مع الأشخاص عبر الهاتف النقال والرسائل الإلكترونية في المناسبات والأعياد، لأنّ العلاقات الإنسانية مهمة وأحرص عليها”. تضيف المغني: “لقد حصلت على دورات في الكمبيوتر بهدف تطوير أدائي، سواء في العمل الوظيفي أم في إدارة عملي الخاص”، لافتة إلى أن “مركز تنمية خورفكان” “كان أوّل ما أدخل الكمبيوتر في إستخداماته الوظيفية، لأنّه وسيلة ضرورية لتحسين الأداء وتطوير العمل بين الموظفين وسرعة الإنجاز”.
على الصعيد الأسري أيضاً، نجحت فاطمة المغني في الإفادة من علاقتها بالتكنولوجيا، وهي تقول في هذا السياق: “عندما كان ابني باسم يقوم بتحضير شهادة الدكتوراه في القانون الدولي في بريطانيا، كنت أتواصل معه بالصوت والصورة عبر شاشة الكمبيوتر، وكنت أطمئن يومياً على أخباره وإنجازاته وما حققه في دراسته”.
 
– لا لتكنولوجيا الثرثرة:
من جهتها، ترى رئيسة قسم التصوير في مكتب “جريدة الإتحاد” في دبي صفيه إبراهيم، “أنّ العمر لا يمنع المعرفة، والتقدم في السن لا يتعارض مع طلب العلم”. وتقول: “لقد تعلمت الكمبيوتر، وفن تقنيات الصورة من خلال الكاميرات الرقمية، وحصلت على دورات في الـ”فوتوشوب” وكل ذلك كان في سن متقدم”. وتتابع: “إن عملي كمصورة، دفعني إلى التعريف إلى أحدث وسائل التكنولوجيا المرتبطة بمجال عملي، والتعامل مع الأجهزة الرقمية لمتابعة سير العمل وتحسين الأداء الوظيفي بين زملائي المصورين”.
في مقابل هذا الموقف المنفتح تجاه تكنولوجيا التصوير، فإن صفية إبراهيم تتخذ موقفاً أقل حماسة حيال ما تطلق عليه “تكنولوجيا الثرثرة”، حيث تقول “لم أتعامل مع الـ”آي باد” والـ”بلاك بيري” ولا يوجد وقت لديَّ للثرثرة، وأكتفي بموبايل بسيط أتحدث من خلاله مع الأصدقاء وإرسال المسجات”.
 
– تكنولوجيا مفيدة:
وتقول ربة البيت حصة الملا (58 عاماً) إنّ التقدم في العمر لم يمنعنها من تعلم الإنترنت، وتضيف: “لقد أتقنت إستخدام الكمبيوتر بعد تقاعدي من العمل، فلم أشعر بفراغ لأن وقتي امتلأ بالصديقات اللواتي يتواصلن معي عبر الإيميل، كما أصبحت أجيد الدخول إلى مواقع متنوعة لتنمية هواياتي”. وتتابع: “لقد أصبحت أجيد الطبخ وبخاصة الأكلات الإيطالية والحلويات الشرقية، وهذا ما جعل زوجي يشعر بالسعادة، فكل يوم أبتكر له أكلة جديدة”. وتؤكد الملا أنّ التكنولوجيا “لعبت دوراً مفيداً” في حياتها على أكثر من صعيد، “بما في ذلك الصعيد الأسري”، لافتة إلى أنّه “في العام الماضي تعرضت شقيقتي التي تعيش في بريطانيا لمشكلة مع زوجها، وتجمعت العائلة أمام شاشة الكمبيوتر حتى استطعنا تهدئة النفوس وحل المشكلة”.
 
– حكايات الجدة:
كان الخيار طوعياً عندما تعلمت ربة البيت رقية مسي (62 عاماً) التعامل مع التكنولوجيا، وهي تقول في هذا المجال: “أتحدث مع أولادي المقيمين في أميركا وأبوظبي، وأتواصل معهم بالصوت والصورة من السودان عبر شاشة الكمبيوتر خلال برنامج التواصل الإجتماعي “سكايب”. وتضيف: “في المساء أضع بجواري الـ”لاب توب” وأرعى أحفادي المقيمين في أميركا، حيث أسامرهم وأحكي لهم الحكايات وأحل مشاكلهم الطفولية أثناء إنشغال أُمّهم”. وتشير إلى أنّ “ذلك يجعلني وكأنني أعيش مع أحفادي بصفة دائمة”. وتقول: “لقد تابعت ولادة ابنتي في أميركا لحظة بلحظة عن طريق الـ”لاب توب” وأعطيتها النصائح المطلوبة ورعيتها رعاية الأُم بعد الولادة كما أني رأيت حفيدي بعد ولادته مباشرة”. وترى رقية أن “أجهزة التكنولوجيا مفيدة للتواصل والإطمئنان على الأولاد، وخففت الشعور بالبعد وقصرت المسافات”. وتختم قائلة: “أنا أتواصل مع الجيران عندما أسافر للخارج، وأتمكن من متابعة شؤون أبنائي ومنزلي بنفسي من أي مكان في العالم”.
 
– موقع إلكتروني:
أمّا سيدة الأعمال عائشة الشامسي، التي تجاوزت الخمسين من عمرها فتقول: “لقد التحقت بدورة كمبيوتر وفكرت في إنشاء موقع إلكتروني لعرض منتجاتي التي أقوم بتصنيعها من الدخون والعطور العربية، وليس هناك ما يمنع أن أستعين بأحد أبنائي عندما أريد الإطلاع على مواقع تختص بالخلطات العربية للعطور”.
بدورها، تؤكد سيدة الأعمال عائشة النومان، أنها “من جيل شديد الإرتباط بعاداته و تقاليده”. وتقول: “قد يكون هذا هو السبب وراء عدم تعودي على التعامل مع التكنولوجيا، فأنا عندما أمسك بالـ”ماوس” أشعر بعدم راحة، وأفضل الكتابة بالقلم، كما أكره الـ”فيس بوك”، لأنّه ينشر الفضائح، كما أنّ الـ”بلاك بيري”، فضلاً عن تعقيداته لا يخلو من ضرر كونه يشغل الناس عن بعضهم البعض، ويأتي ذلك على حساب التواصل بين أفراد الأسرة”. ولكن النومان تستدرك قائلة: “هذا لا يعني أني أقاطع هذه العوالم تماماً، ولكني أعتمد في إنجاز الضروري منها على سكرتيرتي، فهي تقوم بإرسال الإيميلات ومتابعة بريدي الإلكتروني وغير ذلك”.
 
– “فيديو كول”:
من واقع تجربته مع والدته ومحاولاته تعليمها مبادئ التعامل مع معطيات التكنولوجيا الحديثة، يقول رجل الأعمال الإماراتي محمد العنزي: “إن عادات المجتمع وتقاليده جعلت كبار السن يحجمون عن إستعمال الأجهزة التكنولوجية الحديثة ويشعرون بأنها ليست بأدواتهم التي اعتادوا عليها، إلا أن تغير معطيات الزمن بوسائله المختلفة جعلت المحمول والـ”لاب توب” والـ”أي فون” والـ”آي باد” والإنترنت، ضرورة لا غنى عنها”. ويضيف: “إنّ كبار السن لا يرغبون في التعامل مع التكنولوجيا المعقدة، فكل ما يحتاجون إليه هو زر الإرسال والإستقبال، وهذا ما لمسته عندما علمت والدتي كيفية إستعمال الهاتف المتحرك، وقمت بحذف جميع البرامج المعقدة منه حتى تستطيع إستعماله بسهولة ويسر، وقد استغرق تعليمها ثلاثة أشهر”. ويقول: “التحقت والدتي بأحد مراكز محو الأمية في أبوظبي لتتعلم الأرقام والحروف حتى تمكنت من كتابة اسمها بشكل صحيح، وأصبحت الآن تواصل معنا بأجهزة محمول حديثة بالصوت والصورة من خلال برنامج “فيديو كول”. ووالدي أيضاً تعلم الكمبيوتر ويدخل إلى مواقع السيارات، ويستعين بنا إذا تعذر عليه الدخول لأحد المواقع”. ويشير محمد العنزي إلى أنّه تبرع بعدد من الأجهزة الإلكترونية لهذا المركز حتى يمكن تدريب كبار السن على التكنولوجيا، ويتمنّى أن تعمم الفكرة في الدولة.
 
– مواصفات خاصة:
عن طبيعة العلاقة التي تربط هذه الجيل بالتكنولوجيا، يقول مدير العلاقات العامة في إحدى شركات الإلكترونيات عباس فرض الله إن “بعض كبار السن يتأقلمون بشكل جيِّد مع معطيات التكنولوجيا، وآخرين يجدون صعوبة في التعامل معها، خصوصاً عندما يتطلب الأمر التعامل مع أجهزة حديثة ومعقدة، مثل “بلاك بيري”. ويضيف: “إنّ كبار السن يتعاملون مع أجهزة لها مواصفات خاصة، لأنّ التقنيات المعقدة في الأجهزة الحديثة جعلت نسبة كبيرة من كبار السن ينصرفون عنها”، كاشفاً أن “20% فقط يستعملون الـ”آي باد” والـ”آي فون”، ما حض عدداً من الشركات المصنعة على طرح أجهزة هواتف نقالة خاصة بكبار السن ذات مواصفات خاصة على رأسها سهولة الإستخدام”. مشيراً إلى ظهور هواتف محمولة “صممت خصيصاً لمن هم أكبر من 65 عاماً ساعد على تجاوز أزمة الإحساس بالرهبة التي يجدها بعض كبار السن عند التفكير في التعامل مع التكنولوجيا للوهلة الأولى”. ويقول: “إنّ مطالب المسنين تتمثل في شاشة ولوحة مفاتيح كبيرتين، وقائمة سهلة للإستخدام غير مزودة بكاميرات رقمية أو إتصال بالإنترنت”، لافتاً إلى أن “كثيراً من الأجهزة الحديثة تحتوي على زر خاص للإتصال بالأقارب والأصدقاء في الحالات الطارئة، كما يمكنها العمل بواسطة بطاريات تقليدية وتتوافق كذلك مع سماعات الأذن الخاصة بالمسنين”.
وحول تجربته الشخصية مع والدته، يقول فرض الله: “طلبت والدتي المسنة “موبايل” كي تتواصل معنا، وهي في الوقت ذاته لا تعرف القراءة ولا الأرقام”. ويضيف “اخذت لها هاتفاً بأزرار وشاشة كبيرة حتى تستطيع التعامل معه، وقمت أنا وأخواتي بتدريبها على إستخدامه وبمساعدتها على حفظ الأرقام، وحفظ شكل الحروف الأبجدية حتى عرفت كيف ترسل وتستقبل وتحدد صاحب الرقم الذي يطلبها”.
 
– الحاجز النفسي:
“الرهبة والخوف عاملان يمنعان كبار السن من التعامل مع التكنولوجيا”، يقول الإستشاري النفسي الدكتور حسين علي رضا، لافتاً إلى أنّ “القدرات العقلية للإنسان تتراجع كلما تقدم في العمر، ويصحبها تراجع في القدرة على التركيز والتذكر وهذه مسألة طبيعية بيولوجية”. ويضيف أنّ “العائق الوحيد الذي يحول بين تعامل كبار السن مع التكنولوجيا، يكمن في الناحية النفسية والتعود على أمور معينة، فالطفل يستطيع إستيعاب أكثر من لغة في وقت واحد، لأنّ قدراته العقلية قادرة على التخزين، وكذلك الشاب يكتسب معلومات جديدة. أمّا المسن عندما يكبر، فيمتلئ محتوى عقله بما تم تخزينه ويحتاج إلى مجهود ذهني لاستيعاب معلومات جديدة، ولذلك نراه يتراجع ويتعامل فقط مع المتعارف عليه”. ويشير إلى أنّ “هناك أشخاصاً لديهم قابلية ورغبة في التعلم والإطلاع، فنجدهم يدربون عقولهم على أمور كثيرة ويتزودون بالدورات العلمية حتى تصبح عقولهم مستقبلة للمعلومات وأقدر على التعلم”. ويقول: “إنّ المسن تقل قدرته على الإستيعاب، وأي معلومة جديدة يستقبلها قد تمحو ما قبلها، لأنّه لم تكن لديه المقدرة على الإحتفاظ بها لفترة طويلة. ولذلك، يعتمد كبار السن على أدوات مساندة ويكتبون على قصاصات ورقية أو مفكرة للتذكير”.
ويوضح أن “عدم القدرة على تعلم التكنولوجيا، قد تجعل المسن يشعر بالخوف من الفشل، فإذا كانت من متطلبات الحياة والوظيفة دفعه ذلك إلى أن يتعلمها لكن ببطء”.

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022