المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

التواصل والرعاية: ابتكارات من أجل التشيخ الصحي!!!!!

محدودية التنقل والانعزال الاجتماعي لا يجب أن يتواجدا جنباً إلى جنب مع التقدم في السن. تكتب مونيك تسانج حول إمكانية مساعدة التقنيات المبتكرة في الحفاظ على الصحية النفسية لكبار السن واستقلاليتهم.

تشيونج “الجدة” لا ترى في السن عائقاً أمام التعلم. فكل أربعاء، تذهب تشيونج لحضور محاضرة في برامج الكمبيوتر في مركز كبار السن في الحي الذي تقطنه بمدينة هونغ كونغ، المنطقة الإدارية الخاصة، الصين. فقد كانت تعيش بمفردها منذ أن انتقل زوجها إلى دار رعاية من ثلاثة أعوام. وقلما ترى أولادها الثلاثة، حيث تعيش ابنتها في هولندا، بينما يعيش الابنان في الصين، وكان الهاتف هو وسيلتها الرئيسية في التواصل معهم، ولكن الآن مع زيادة معرفتها باستخدام الإنترنت، فهي تأمل أن تجد فيه وسيلة أخرى تجعلها تتواصل مع أولادها وأحفادها، بل وترى وجوههم. وتحدثنا عن ابنتها وأحفادها في هولندا، فتقول: “أتوق لرؤيتهم [ورؤية وجوههم] كثيراً. فأنا لم أراهم منذ وقت بعيد. والحقيقة أني أفتقدهم كثيراً”.

إن الهجرة هي إحدى الآليات الاجتماعية المتغيرة التي تؤثر في رعاية كبار السن وعافيتهم في جميع أنحاء القارة الآسيوية، وذلك بحسب دايفيد فيليبس، الذي يدرس تأثير التوجهات الاجتماعية على تجربة التشيخ أو كبر السن بجامعة لينجنان في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة. وفي ظل التناقص المستمر في حجم الأسر ونزعة أفراد الأسرة الشباب لترك المنزل أو السفر خارج البلاد، أصبح شائعاً في هذه الآونة أن نرى كبار السن يعيشون بمفردهم. والصين، مع ضخامة التنمية الاقتصادية بها، تضرب لنا مثلاً مخيفاً لهذا الواقع، حيث يقول فيليبس: “إنك تسمع عن قرى في الصين لا تجد فيها سوى كبار السن أو أطفال صفار مع أجدادهم الذي يرعونهم. ولن نجد من هم في سن التعليم الجامعي أو من هم في سن العمل من الشباب،”

ولكن بنظرة حول العالم، نرى أنه مع زيادة أعمار الناس، أصبحت صحة وعافية الفئات السكانية من كبار السن تلقيان مزيداً من الاهتمام. ومن هنا، سوف يركز يوم الصحة العالمي هذا العام، الذي يحل في السابع من أبريل، على كبر السن والصحة. حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن كبار السن هم أكبر الفئات السنية نمواً حول العالم. وبحلول عام 2050, سوف يتجاوز 2 مليون شخص، أو تقريبا شخص من بين كل أربعة أشخاص، سن الستين. وتشيخ السكان على هذا النحو يحدث بوتيرة أسرع في البلدان الأقل نمواً التي لم تحظى بالتالي بمتسع من الوقت كالذي حظيت به البلدان المتقدمة في تهيئة البنية الأساسية والأدوات المناسبة للتعامل مع هذا التحول الاجتماعي الكبير. فبحلول عام 2050, سوف تحظى هذه البلدان بـ 80% من كبار السن في العالم على أراضيها. ومع تقدم الناس في السن، يصبحون أكثر عرضة لمواجهة صعوبات في التنقل والحالات الصحية المزمنة مثل السرطان والسكتة الدماغية والخرف، ويكونون أيضاً عرضة للاكتئاب حيث يعيش الكثيرون منهم في الوحدة والفقر.

“في حين أن التحديات التي تواجه البلدان الأقل نمواً هي تحديات مثيرة للقلق، فهي مع ذلك لا تمثل عقبة كأداء لا يمكن تخطيها،” جاء ذلك على لسان فرانسيس ماوسي، من مجموعة الابتكار والمعلومات والبيّنات والبحوث بمنظمة الصحة العالمية، حيث يدير مشروعاً جديداً يهدف إلى زيادة إمكانية الوصول للأجهزة الطبية والمساعدة لكبار السن في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

ويردف: “نحن نحتاج أولا لأن نتعرف على احتياجات هذه البلدان والعقبات التي تعوق إمكانية الوصول إليها، وذلك حتى نتعرف على الحلول الممكنة”. ويضيف: “تركز منظمة الصحة العالمية بعد ذلك على تعزيز البحوث حول الأجهزة الملائمة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وتطويرها وإنتاجها. وسوف تثمر هذه المبادرة عن زيادة توريدات الأجهزة المصممة بحيث تتلاءم واحتياجات السكان كبار السن في الأماكن الفقيرة”.

وفي الهند، أسهمت خدمات الإنترنت والهواتف النقالة في تحسين التواصل بصورة كبيرة بين كبار والصغار السن، ذلك بحسب رافي صامويل، الطبيب والأمين الفخري لمؤسسة Vision Age India، وهي مؤسسة غير هادفة للربح تتولى تقديم خدمات الرعاية المجتمعية لكبار السن في مدينة تشيناي بالهند.

ويمكن للتكنولوجيا أن تحسّن كذلك من الصحة البدنية لكبار السن واستقلاليتهم، على حد قول مجد علوان، خبير التكنولوجيا بـ LeadingAge ، اتحاد للصناعات كائن في أمريكا ويهتم بتشجيع الابتكارات لكبار السن. فمثلاً، يمكن لأجهزة الهاتف النقال الربط بين المختصين الطبيين وكبار السن لرصد وجمع المعلومات حول الحالات المرضية المزمنة. وتتوافر التكنولوجيات من أجل مساعدة كبار السن على الالتزام بالأدوية والأنظمة الغذائية والتمارين، في حين أن هناك تكنولوجيات أخرى تفيد في تحديد المختصين وتنبههم بشأن المشاكل الصحية المحتملة. فمثلاً، يمكن للأجهزة التي ترصد سلوكيات النوم واستخدام دورات المياه أن تمد القائمين على الرعاية بإنذار مبكر حول اصابات المسالك البولية، وهو حالة شائعة بين كبار السن.

ويمكن للأجهزة أن تساعد كبار السن في الحفاظ على سلامتهم؛ فأجهزة كشف الحركة والاهتزاز يمكنها كشف حالات السقوط الذي يعد سبباً في العجز والوفاة بين كبار السن، ومن ثم يطلبون النجدة. وهناك أجهزة أخرى تراقب استخدام المواقد وترسل تنبيهات إذا سهي على كبار السن إطفاؤه.

غير أن جوثيسواران ثيياجاراجان، مبعوث بحوث مركز الصحة العمومية في كينجز كوليدج، لندن، يتشكك في أن كثير من التكنولوجيات قابلة للتطبيق في البلدان النامية. ويوافق على أنه في حين أن الهاتف النقال قد ساعد كبار السن كثيراً في البقاء على اتصال مع الآخرين، يكون ذلك بقدر نفع التكنولوجيا. ويقول، من خلال بحوثه في الهند، أنه قابل ما يزيد على 1000 شخص كبير السن، وليس من بينهم، حتى في المناطق الحضري، من استفاد من التكنولوجيات التي يستخدمها كبار السن في البلدان المتقدمة.

والمشكلة هنا مزدوجة؛ ويتمثل شقها الأول في قضية التكلفة. ففي الهند، يعيش 70% من كبار السن في مناطق ريفية وينتمون إلى الشرائح الفقيرة. ويوضح ثيياجاراجان قائلاً: “إن جميع التكنولوجيات والتطورات التكنولوجية تركز على الناس الذي يعيشون في المناطق الحضرية الذين لديهم المال الذي يمكنهم في شراء هذه التكنولوجيات.” والشق الثاني من المشكلة هو الملاءمة؛ حيث يشير ثيياجاراجان خصيصاً إلى “البيوت الذكية” والتحسينات التي طرأت على تصميم المنازل بما يلبي احتياجات الأشخاص ذوي إمكانية التنقل المحدودة. والحقيقة أنه من المستحسن جداً أن يمتلك هؤلاء أجهزة من شأنها “أن ترفع المقاعد وتجعلهم في الارتفاع المناسب”، ولكن هناك بعض المنازل التي لا تمتلك أي مقاعد وعلى الأشخاص أن يجلسوا على الأرض. إذاً، كيف تعتمد على هذه التكنولوجيات بينما لا تلبى الاحتياجات الأساسية؟

ويؤكد على الاحتياج المحلي بوصفه مفتاح تطوير التكنولوجيات. “علينا أن ننظر إلى احتياجات الناس، ثم نطور التكنولوجيا على أساسها”. ويقول: “إن حمل التكنولوجيا إلى الأفراد ومطالبتهم باستعمالها هو أمر لن يجدي نفعاً،” مؤكداً على أن هناك حاجة لنوعين من الأجهزة المساعدة في الهند؛ أحد هذين النوعين هي التكنولوجيات التي يمكنها تحسين عملية تقديم الخدمات الصحية لكبار السن، من أجل تقصير وقت المشاورة التي يستغرقها الأطباء لكل مريض في العيادات. والنوع الثاني يتمثل في أمور بسيطة من شأنها أن تساعد الناس في مواصلة حياة مستقلة، مثل سماعات الأذن والنظارات المصححة للنظر.

وعلاوة على ذلك، يضيف ثيياجاراجان أن مستخدمي التكنولوجيا يجب أن يكونوا في بؤرة اهتمام عملية التصميم، ويجب أن تتم تجربة الابتكارات من قبل الأشخاص الذين سوف يستخدمون هذه المنتجات بالفعل. ويقول أنه بالنسبة لبلد نامي مثل الهند، حيث لا يتمتع كثير من كبار السن بإمكانية الوصول للأطباء، تكون مساهمة العاملين في مجال صحة المجتمع مهمة للغاية، نظراً لأنهم هم المخالطون بشكل يومي للناس في المجتمع.

ويقول علوان: “ينبغي أن تركز عملية تصميم المبتكرات كذلك على المختصين الصحيين والقائمين على تقديم الرعاية.” “ففي حالة توافر فسحة من الوقت للأسرة أو القائمين على تقديم الرعاية، عليهم أن ينخرطوا في مراحل مبكرة.”

ويعترف علوان بوجود عائق من حيث التكلفة أمام كثير من التكنولوجيات التي يستهلك معظمها في البلدان الغنية أولاً. ويقول: “ولكن عندما تصبح هذه التكنولوجيا اتجاهاً سائداً، فإنها تصل إلى سعر يمكن عنده نشرها بوتيرة أسرع في أجزاء أخرى من العالم.” “فنحن نرى البلدان النامية تتحرك مباشرة نحو الصحة النقالة التي يصبح فيها الهاتف النقال بوابة لأخذ القياسات ومعالجة الحالات المزمنة. حيث يمكن للمرء استخدامه للوصول لأطباء متواجدين على بعد مئات الأميال.”

ويقول فرانسيس ماوسي إن التكنولوجيا لا يجب أن تكون معقدة ومكلفة، موضحاً أن: “هناك احتياج للأجهزة الطبية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومن ثم ينبغي إدراجها في نفس الفئة مع الأدوية واللقاحات ووسائل التشخيص فيما يتعلق بإمكانية حصول الفئات السكانية الفقيرة عليها.”

غير أن تطوير التكنولوجيا قد تعوقه الممارسات والمواقف الثقافية الموروثة. فبحسب ثيياجاراجان، مع تقدم السن بالناس وزيادة ضعفهم، قد يكونون مستعدون لأن يموتوا. ويتساءل: “إذاً، كيف تعمل على تحفيز مثل هذا الشخص – الذي قبل التغيرات التي طرأت عليهم والذي يتأهب للموت – من أجل استخدام التكنولوجيات التي تساعده على أن يعيش فترات أطول؟”

ويضيف كذلك أن كبار السن لا يشعرون دائماً بالراحة في التعامل مع التكنولوجيا، كما أن الحالات الصحية مثل الخرف والإعاقة السمعية قد تمنع البعض من ذلك. ويقول: “على الاصلاحات الصحية أن تنظر إلى الأشياء المفضلة لدى كبار السن قبل الشروع في استثمار المال في التكنولوجيا. فالتكنولوجيات التي تساعد القائمين على تقديم الرعاية قد تكون هي المفضلة لهم.”

ولكي تساعد كبار السن على العيش مستقلين، يجب الاهتمام بتخطيط وتصميم أماكن المعيشة، بدء كونها مراعية لظروف المستخدم إلى وسائل النقل سهلة الاستخدام. وفي مدينة هونغ كونغ الإدارية الخاصة (حيث يرزح ثلث السكان كبار السن تحت وطأة الفقرة)، يكون كثير من المرافق مثل المحلات والصيدليات والعيادات الطبية ومراكز رعاية كبار السن داخل العقارات السكنية.

تعيش الجدة تشيونج في شقة صغيرة بالدور الثامن بعقار سكاني عام. ولحسن الحظ، يوجد مصعد بالبناية، وإن أرادت أن تستشير طبيباً، فهناك عيادة على مسيرة عشرة دقائق من بيتها. وتقع دار الرعاية التي ينزل بها زوجها على مسافة قصيرة بالحافلة وتزوره مرتين أسبوعيا. كما أن مركز رعاية كبار السن الذي تذهب إليه غير بعيد عنها، مما يسمح لها أن تذهب هناك مرات عديدة كل أسبوع لتشغل وقتها. وإلى جانب حضور دورات الكمبيوتر، فهي تتعلم كذلك الغناء وتلعب بانتظام رياضة الجيت بول، وهي رياضة جماعية شبيهة بالكروكيت.

وفي المناطق الأقل تقدماً، قد يمثل تدني إمكانية الوصول للمرافق مشكلة أمام كبار السن. فمثلا، كما يقول رافي صموائل من منظمة Vision Age India، تعد منظومة النقل العام في الهند “غير مراعية لظروف كبار السن”. ويضيف: “إذا كان كبار السن لا يطيقون تكلفة النقل الخاص، فمن الصعب جداً التنقل باستخدام وسائل النقل أو حضور المناسبات الاجتماعية والدينية والأسرية”.

ومن هنا تنبع فكرة المدينة المراعية للسن. ويقول دايفيد فيليبس أنه أمر “غاية في الأهمية” أن تنتهج أسلوباً مشتركاً بين القطاعات عند تصميم أماكن معيشة مراعية للسن ن خلال إشراك المتخصصين في تخطيط المدن والنقل والإسكان والتعليم.

ويجب أن يمتد هذا الأسلوب بين الأجيال المختلفة. ويقول فيليبس: “أعتقد أنه من الخطأ أن نركز بأشكال كثيرة على السن بحسب التقويم،” ويضيف: “ولكن علينا أن ننظر إلى احتياجات الناس في المجتمعات. فهناك أناس يبلغون 35 عاماً عاجزون كما أناس في السبعين من عمرهم.” ومن هنا، فجعل الأماكن أكثر مراعاة للسن هو حل رابح لجميع الأطراف”. ويقول: “إن وجود بيئة مناسبة لكبار السن هي في الواقع جيدة لجميع الناس في جميع الأعمار،”

المصدر

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022