المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

شيخوخة من “ذَهَب”..

يمضي الإنسان حياته راكضاً ولاهثاً خلف الزمن عساه يستلحق به شبابه… وامّا هذا السباق المجنون ضدّ عقارب الساعة فيضنيه وينهك قواه لا بل يعيث فساداً في خلاياه، وعوضاً عن الفوز بورقة تأجيل للشيخوخة، ها هو يخسر ورقته فيسرّع آثارها…

مهلاً، دعونا لا نتوتّر ولا نغتمّ، فلنتنفّس الصعداء.. ونقف وقفة تأمّل وحكمة، لنصغي الى حاجات ورغبات جسمنا وذهننا، فلكلّ مرحلة من مراحل الحياة، أهمّيتها ونكهتها الخاصّة شرط أن نجيد عيشها بصحّة وسلامة!

جميع وسائل التعمير متوفّرة

كيف نتصرّف لتأمين كهولة سليمة وممتعة وبكلمة أخرى، كهولة ذهبيّة؟ علينا اوّلاً أن نعرف ما الذي يسبّب التقدّم في السنّ.. لطالما ظنّ العلماء بأنَّ تراجع الهرمونات يأتي على إثر التقدّم في السنّ. امّا اليوم، فقد اكتشف الطبّ الحديث بأنَّ العكس هو الصحيح: يتقدّم المرء في السنّ، لأنَّ معدّلات الهرمونات تتناقص ولا سرّ في انَّ هذه الهرمونات هي ما يضبط العمليّات والتفاعلات الكيميائية في الجسم. وانطلاقاً من هذا المبدأ، نشأ العلاج الهرمونيّ البديل الطبيعيّ كعلاج مكافح لآثار الشيخوخة. بالمقابل، ثمّة سبب آخر للتقدّم في السنّ، ألا وهو عمليّة الهدم او الإجهاد والمعروف اليوم بالتوتّر المؤكسد، وهذا هو عامل تسريع الهَرَم الأهمّ والذي اخترنا التركيز عليه في مقالنا. في الواقع، جسمنا مصمّم بشكل يتقبّل الأطعمة البسيطة والطبيعية، ويتحرّك بوفرة عبر تمارين ونشاطات جسديّة كثيرة، وايضاً هو مصنوع بشكل يمكّنه من مواجهة حالات الإجهاد وإنّما بدرجة معتدلة. امّا إن نظرنا حياتنا عن كثب اليوم، تبيّن لنا العكس: نتناول اطعمة معقّدة ومصنّعة، لا نتحرّك ما يكفي، وبالمقابل، نتعرّض لفائض من الهموم والتوتّرات والضغوطات، وكلّه بسبب إيقاع العصر الجنونيّ…  امّا ذلك، فيترجم عبر فرط إنتاج الجسم للأجذار الحرّة وتلف الخلايا تدريجياً، وبالتالي، يقود الى تقصير حياة خلايانا فحياتنا…

كيف نكافح ظاهرة التوتّر المؤكسد؟

بادىء ذي بدء، عبر تأمين كمية كافية من مضادات التأكسد لجسمنا، ونذكر ما بين اشهرها: مجموعة الفيتامينات- أ (A)، ج (C)، ه (E) والسيلينيوم. ايضاً، قد اكتشف الباحثون مزايا مضادّة للتأكسد وجدّ فعّالة في المواد المعروفة بالفلافونويدات. والسؤال؟ اين نجد كلّ هذه؟ ببساطة، في اطعمتنا اليوميّة والتي بات الخبراء يسمونها بأطعمة الدماغ إذ تمارس تاثيراً ايجابياً على تركيبته ووظائفه. بالفعل، يحتاج الدماغ الى عدد معيّن من المواد المغذّية والمحاربة للتأكسد لكي يصون ذاته ويهرم بشكل سليم. على سبيل المثال: الدهون النافعة (احماض الأوميغا-3 و6)؛ نجدها في الأسماك وخاصّة الدهنيّة منها، وينصح الخبراء باستهلاكها بمعدّل مرّتين في الأسبوع (سلمون، سردين، تونا،..). إضافةً، الخضار والفاكهة الطازجة كما والحبوب الكاملة،… غنية بمضادات التأكسد وحليفة الشيخوخة الصحية والسعيدة: تفّاح، ثمار حمراء، شعير وشوفان،… الى جانب عدد من الأعشاب الطبيعيّة كشجرة كستناء الحصان والزعرور البرّي..  إذاً، تبدأ محاربة آثار الشيخوخة باتّباع حميات غذائية صحيحة ترتكز على تناول مختلف فئات الهرم الغذائي وإنّما باعتدال، وتقترن بتمارين رياضية منتظمة وإنّما معتدلة الكثافة، ذلك لأنَّ الاثنتين تعملان معاً بالتعاون، وتعزّز الواحدة مفاعيل الأخرى. بالفعل، الحمية المرتكزة على الخضار والفاكهة والبقول عوضاً عن الوجبات السريعة والمصنّعة تساهم في صيانة الشباب، خاصّة إن تناولنا بكمية وافرة ثمار التوت والعلّيق والعنبية (ثمار حمراء)… عدا ذلك، أثبتت الدراسات والأبحاث الأخيرة في المجال دور المكمّلات الغذائية من فيتامينات واملاح معدنيّة في مكافحة آثار الشيخوخة، وكذلك الأمر، الهرمونات شرط اتّخاذها فقط عند الحاجة وفي إطار متابعة طبية سليمة.

رياضة معتدلة عربون عمر طويل..

تلك هي اولى القواعد الوقائية من الهَرَم المبكر؛ ممارسة رياضة منتظمة وطويلة الأمد. الرياضة جدّ مفيدة للقدرات والوظائف الحركيّة والمحرّكة: تقي من ترقّق العظام، إلتهاب المفاصل، إرتفاع الضغط الشراييني،… كما وتنشّط وتصون القلب. مؤخّراً، أظهرت الدراسات ايضاً بأنَّ الرياضة المنتظمة وبدون إجهاد، هي ذات منافع وقائية أكيدة إزاء تراجع القدرات المعرفية والإدراكية. بالفعل، هي تسهّل النشاط البدنيّ وتحسّن قدرات التلقّن والاستذكار. لا داعي لممارسة رياضات كثيفة ومضنية بل تكفي ممارسة المشي بانتظام وثبات، بمعدّل 2 او 3 مرّات في الأسبوع، او رياضات تقوّي وتليّن العضلات برفق كال Stretching والجمباز اللطيف والسباحة الخفيفة، الرقص.. شرط أن تناسب الحالة الصحّية. فهذا النوع من الرياضة والذي يحتاج طول النَفَس والصبر يسهّل ويزيد من صناعة العوامل الاغتذائية والتي تساعد بدورها على صيانة مواقع اتّصالات وامتدادات وتفرّعات العصبات، وتقيها من التوتّر المؤكسد. والخبر السارّ للغاية؟ تساهم الرياضة في تحفيز إنتاج عصبات جديدة وتحديداً في مركز الذاكرة.

ولا ننسَ “رياضة الدماغ”

القاعدة الذهبية الأخرى: ممارسة نشاطات فكرية في جميع مراحل الحياة، وذلك مهما كانت السنّ. الهدف؟ صيانة عمل الدماغ لأطول مدّة ممكنة. مع تفضيل النشاطات التي تسخّر المخيّلة، لأنّها تدرّب على الاستباق الفكريّ وسرعة البديهة وتحفّز ردود الفعل امام الأمور الجديدة وغير المتوقّعة. بالتالي، هي الأكثر فعاليّة في الوقاية من تراجع القدرات الفكريّة.

هل من أدوية تحارب الشيخوخة؟

الشيخوخة ليست مرضاً يتطلّب علاجاً بالأدوية، بل هي ظاهرة فيزيولوجيّة تباينيّة، تستهلّ منذ ولادة الإنسان. وإنّما، الشيخوخة الناجحة والسعيدة ممكنة؛ بالفعل، تزداد فرص طول العمر والتعمير بشكل سليم، في البلدان المتطوّرة اليوم وذلك على الرغم من وباء البدانة ومضاعفاتها. وإنّما، نستطيع التحدّث عن مغذّيات صغرى أكثر منها ادوية، في مجال محاربة آثار الشيخوخة او تأخير الهَرَم:
– معادن وآثار معادن، وفيتامينات: جميعها يساهم في مكافحة التوتّر المؤكسد
– هرمونات تتناقض مع ظاهرة التقدّم في السنّ: DHEA، ميلاتونين، هرمون النموّ، تستوستيرون،… على أن تتمّ استشارة الطبيب او الاختصاصيّ قبلاً.
– أحماض دهنية أساسية: اوميغا-3
– أحماض أمينية

بانتظار المزيد من الدراسات المؤكّدة، يمكن التخفيض من عوامل خطر الشيخوخة المبكرة: سوابق مرضيّة في الأسرة من أمراض عصبية و/او تنكّسية كالآلزايمر، اعطاب دماغية سابقة، احداث مأساوية بالغة في سنّ المراهقة، إكتئاب، تركيبة جينية وعائية قابلة لعدّة أمراض، فرط كولسترول الدم، ارتفاع الضغط الشراييني، سكّري، تدخين، قصور تنفّسي،… وبالمقابل، يجدر تأمين وزيادة العوامل الوقائية: إرتفاع المستوى الثقافيّ، تغذية متنوّعة ومتوازنة غنيّة بمضادات التأكسد، حياة اجتماعية ناشطة وحياة فكرية غنيّة، رياضة منتظمة، والابتعاد عن العزلة كلّما امكن..

عزّز معلوماتك

التوتّر المؤكسد المزمن يقود تدريجياً الى اختلال عمل وقدرات الخلايا، من ثمّ الى تلفها وموتها. من الممكن وصف التوتّر المؤكسد كخلل في التوازن القائم بين العناصر السابقة للتأكسد والأجذار الحرّة، وبين العناصر والأجهزة المضادّة للتأكسد. في الواقع، الأوكسيجين الأساسيّ للحياة قد يكون هو المسؤول وإنّما بشكل غير مباشر، عن تأثيرات ضارّة تنجم عن فرط إنتاج الأجذار الحرّة والسامّة بالنسبة للخلايا.

المصدر : الغذاء الصحى

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022