استوقفتنى صورة رأيتها على إحدى صفحات الفيس بوك، لطفل صغير يمسك أبواه بيديه فى طريقهما لتوصيله لحضانته، وتحتها صورة لنفس الطفل بعد أن كبر وأصبح شابا، وشاخ أبواه، وانحنت ظهورهما وهو يمسك بيديهما فى طريقه ليوصلهما إلى دار المسنين ..
تفكرت فى الصورة جيدا، وعلمت الرسالة الموجهة للأبناء منها، ولأنه هناك دائما رسالة مختلفة لأى شىء عما يبدو عليه فى الظاهر، فقد علمت أن للصورة حديث آخر غير أحاديثنا الجوفاء عن رعاية ابائنا تلك الرعاية السطحية التى تشبه إلى حد كبير عملية ” تخزين ” الأب أو الأم فى بيوت أحد الأبناء وإطعامهم وعلاجهم فقط .
طبعا حديثى هنا لا أقصد به دور المسنين التى يقيم فيها المسن، و يترك بالشهور لا يسأل عنه أحد، إنما أقصد دور استضافة المسن يوميا، كأنه يذهب لنادي ليجلس مع أصدقاءه.
الحكاية أننا فى كل مرحلة من مراحل حياتنا نحتاج لأن نتعامل مع مؤسسات تتناسب مع إحتياجاتنا، وتلبى لنا مطالب هذه المرحلة .
بمعنى أن الطفل يحتاج للحضانة قبل دخول المدرسة ليتعلم الأندماج الأجتماعى مع أقرانه، وليحفظ بعض السور القرآنية القصيرة، والأعداد والحروف، ثم يدخل المدرسة ، فالجامعة، والعمل، ثم بعد أن يصل سن المعاش، لا يتحرك من بيته، حيث يعيش منتظرا فقط زيارات أولاده أو أحفاده، ويقضى بعض الزيارات للأطباء، أو لتلقى معاشه
وهذا بالطبع يعد موتا بطيئا يصيب العديد من كبار السن بالأكتئاب لشعورهم بأنهم قد أنهوا دورهم فى الحياة، وليس عليهم سوى أن يقضوا أوقاتهم فى العبادة فقط ، إنتظارا لموت قد يأتى ذات صباح أو مساء .
فكرة دار المسنين عندما نشأت فى الغرب الذى يثبت لنا كل يوم أنه أفضل حالا فى التعامل مع البشر منا، نحن المسلمون ، نشأت لخدمة كبار السن وليس لأبعادهم عن أولادهم وحياتهم الأصلية ، فنجد الأبن أو الحفيد يساعد المسن على إرتداء ملابسه ، ثم يأخذ بيده الضعيفة ويوصلة حتى باب الدار ليجلس مع أقرانه من الكبار الذين يشاركونه نفس الأهتمامات ويعانون مثله من نفس المشاكل والأمراض ، وأولها مشكة الوحدة، ثم يعود نفس الأبن ليأخذ والده أو جده فى نهاية اليوم .
نحن نعتقد أن الغرب يجحد الأهل عندما يشيخوا ، بينما الحقيقة أنهم يكرمونهم بطريقة رائعة ، حين يقدمون لهم فى هذه الدور برامج ترفيهية تناسب أعمارهم، وزيارات لأماكن مقدسة، وأحيانا تحدث حالات زواج لغير المتزوجين منهم، وقد تصلنا عبر مواقع التواصل صور لزفاف عجائز نقابلها بالضحك ، فى حين أنها لحالات حقيقية ، فضلت أن تستمتع بكل لحظة من حياتها حتى النهاية.