
ونتيجة لتزايد حدّة المضايقات وسوء المعاملة التي يتعرض لها كبار السن، اتّخذت الحكومة الهندية إجراءات مشدّدة تجاه الأبناء والبنات العاقين الذين إمّا يتجاهلون وإما يسيئون معاملة الآباء، وذلك باقتراح تشديد عقوبة السجن لتصل إلى ستة أشهر لمن يسيء معاملة أبويه.ويشكل كبار السن نسبة 8% من إجمالي عدد السّكان في الهند البالغ 720 مليون نسمة، حسب آخر مسح أُجري عام 2001. لكن من المتوقع أن ترتفع تلك النسبة إلى 18% بحلول عام 2025. وبناءً عليه، فقد أعدت وزارة العدالة الاجتماعية والتمكين عام 2018 مشروع قانون «رعاية الآباء وكبار السن» الذي سيعدِّل القانون الصادر عام 2007، بغرض تشديد العقوبات في هذا الإطار.وقد وسّع مشروع القانون تعريف الأطفال الذي يشير حالياً إلى الأطفال والأحفاد البيولوجيين ليشمل زوجة الابن وزوج الابنة وكذلك الأبناء بالتبنّي. كما وسّع تعريف مفهوم الرّعاية ليتخطى توفير المأكل والملبس والرعاية الصّحية ليشمل «الأمن والأمان» للآباء. ويستطيع كبار السّن التقدم بشكوى لدى «محكمة الرعاية» في حال تجاهل أو رفض الأبناء رعايتهم. ويشير التعريف الجديد أيضاً إلى أنّه في حال نقل الآباء الملكية إلى الأبناء شريطة أن يقوموا برعايتهم، فسوف تنظر المحكمة إلى عملية نقل الملكية باعتبارها «خداعاً» ومن ثم يحق لها رد الملكية للآباء مرة أخرى.وقد تداولت وسائل الإعلام أخيراً نبأ إفلاس أحد أكبر أثرياء الهند فيجبات سنغانيا بعدما حوّل ملكية أسهم بقيمة 10 مليارات روبية هندية إلى نجله غوتام، وبعدما أعطى الرجل البالغ من العمر 78 سنة كل ثروته لابنه قال: «على الرّغم من أنّ الإنسان عليه أن يحب أبناءه، لكن يجب عليه ألا يحبهم للدرجة التي تجعله أعمى».
وأضاف الرجل: «في عامي الـ79، لم أتخيل أبداً أن أُقدم على الدخول في إجراءات تقاضي في المحكمة بعدما فرّطت في كل ما أملك ولم يصبح هناك سقف يحمي رأسي».
وأفادت العالمة النفسية كيتاي بيرلا، بأنّ الإنسان يجب أن يفكر مراراً قبل أن يقدّم مصلحة أبنائه وأسرته على مصلحته، «فالآباء في الهند لا يفكرون مطلقاً في أنفسهم بمجرد أن يُرزقوا بطفل لأنّ كل ما يعنيهم حينها هو توفير متطلبات طفلهم».
وفي سعيهم لجعل الأبناء يشعرون بالاستقلال، يُقْدم الكثير من الآباء على ظلم أنفسهم. «الأمر يجب أن يكون أشبه بحالة طوارئ على متن طائرة، بمعنى أنا أولاً ثمّ الآخرين من بعدي. لكن الآباء في الهند لا يفكرون مطلقاً بهذه الطريقة ويرون أنّ ذلك ينطوي على قدر من الأنانية إن فعلوا ذلك».
وعلى الرّغم من أنّ قضية فيجبات قد أثارت المخاوف بشأن الحياة في مرحلة ما بعد التقاعد نتيجة لتجاهل الأبناء، فهي ليست بالظّاهرة الجديدة على الهند. فهناك قصة ممثلة بوليوود غيتا كابور التي تركها أبناؤها في أحد المستشفيات وتحوّلت قصتها لفيلم هندي جديد. وما عزز من مخاوف عقوق الأبناء لآبائهم هو ضعف نظام الأمان الاجتماعي وتراخي الحكومة في هذا الصّدد.
فمن إجمالي عدد السّكان البالغ 1.3 مليار نسمة، يبلغ عدد كبار السّن (فوق سن 60) 104 ملايين نسمة، يعيش 71% منهم في الريف، بينما يعيش 29% في الحضر. وضمن ذلك العدد، يعيش 15 مليوناً من كبار السّن بمفردهم، ثلاثة أرباعهم من النساء. ونظراً إلى أنّ متوسط أعمار السيدات أكبر من الرجال، فقد تسبب ذلك في تعرضهنّ لظلم أكبر بعد أن يصبحن أرامل أو معاقات، ويعانين من عقوق الأبناء وأحياناً من الغير، كما يتعرّض كبار السن أحياناً للأذى النّفسي والجسدي والعاطفي والمادي، وأحياناً أخرى للاستغلال والإهمال، وربما للتّحرش الجنسي من قبل أقرب النّاس إليهم.
وقد أوضحت منظّمة الصّحة العالمية أنّ ما بين 4 و6% من كبار السّن يتعرضون لإساءة المعاملة، نسبة كبيرة منها لا يتم الإبلاغ عنها. في المقابل، فإن الشّرطة غير مدربة على التعامل مع مثل تلك البلاغات وتعتبرها «تافهة» أو مجرد «أمور عائلية». وقد أصدرت جمعية «ساعدوا كبار السّن في الهند» المعنية ببلاغات إساءة معاملة الكبار، تقريراً جديراً بالانتباه، أظهر أنّ 44% من كبار السّن قد أفادوا بتعرضهم لمعاملة سيئة في الأماكن العامة، فيما قال آخرون بأنّهم تعرّضوا لأذى جسدي أو معنوي في المنزل. «تتركز غالبية النّزاعات مع كبار السّن على الممتلكات والثّروة والمنافسة بين الأبناء»، حسب تقرير الجمعية.
وتنشأ غالبية النّزاعات عندما يشعر الابن أو الابنة بأنّ الآباء يفضلون أحدهم على الآخر مالياً أو في حال رغب أحد الأبناء بتسجيل أبويه لممتلكاتهما باسمه.