في بيتنا مسن
د. منار محمود الغمراوي
استشاري نفسي
إن تقديم الرعاية وتلبية الاحتياجات اليومية البدنية والنفسية والتغذية والعلاجات المختلفة لكبار السن هو بالفعل أمر مجهد بدنيا ومجهد نفسيا، وفي محاولاتنا لبذل أفضل ما يمكن للأشخاص الذين نحبهم، قد تتولد لدينا مشاعر الحزن والأسى والغضب والشعور بالوحدة، وهو ما قد يتولد عنه الاكتئاب، خصوصا حينما لا يقدم الإخوة والأخوات الآخرين الرعاية نفسها، أو تلقى جميع مهام رعاية كبير السن على شخص بمفرده في الأسرة ، أو حينما تكون حالة المريض لا علاج لها أو تتدهور، خاصة في حالات الخرف .
من هذا المنطلق نستعرض اليوم الاكتئاب الذي يصيب مقدم الرعاية لكبار السن وكيفية التعامل معه والتخلص من أعراضه .
ونقدم لكم حالة لإمرة تبلغ من العمر 38 سنة وتقول ( والدتي مصابة بالشلل الذي أقعدها عن القدرة على العناية بنفسها، وأنا أعتني بها، ولكني متأثرة جدا من حالتها وهو ما أثر على حياتي الخاصة ونفسيتي، حتى أنني أهملت العناية بنفسي وبزوجي وأبنائي وأفضل الجلوس بمفردي وأصاب بنوبات بكاء بلا سبب ، ماذا أفعل وكيف أوازن بين رعايتي لوالدتي والمحافظة على استقراري الأسري والنفسي ؟
معاناة الابنة في العناية بوالدتها وخصوصا تأثيرات ذلك عليها نفسيا وبدنيا وعدم بقاء الرغبة لديها في ممارسة الأنشطة الاجتماعية والأسرية هو ما يعرف طبيا بـ«اكتئاب الرعاية»، وهو ما قد يؤثر بشكل بالغ على نفسية الذين يتولون تقديم الرعاية لكبار السن أو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، و من الضروري تفهمه والعمل على منع الإصابة به.
ومن الضروري أيضا معرفة الاكتئاب المبني تشخيصه على وجود خمسة عناصر من الأعراض لمدة أسبوعين، وهي:
أولا: تدني المزاج العام للإنسان غالبية أوقات اليوم، وفي كل يوم تقريبا، مثل الشعور بالحزن والفراغ والرغبة في ذرف الدموع.
ثانيا: تقلص الرغبة في الاهتمامات الحياتية المعتادة أو عدم الشعور بمتعتها في غالبية أوقات اليوم، وفي كل يوم تقريبا.
ثالثا: تناقص الوزن بشكل ملحوظ على الرغم من عدم اتباع أي حمية غذائية نتيجة تناقص الرغبة في الأكل، أو زيادة الوزن نتيجة زيادة شهية الأكل بشكل مفرط غالبية أوقات اليوم، وفي كل يوم تقريبا.
رابعا: حدوث إما أرق عدم النوم، أو الرغبة في النوم غالبية أوقات اليوم، وفي كل يوم تقريبا.
خامسا: توتر الانفعالات أو تبلد المشاعر والسلوكيات، وهو ما يلاحظه الغير على المرء. ويضاف إلى ذلك الشعور بالإجهاد البدني وفقدان الطاقة غالبية أوقات اليوم، وفي كل يوم تقريبا، وكذا الشعور بعدم الجدوى وكثرة ملامة النفس ومواجهة صعوبات في اتخاذ القرارات وفي القدرة على التركيز وكثرة التفكير في الموت وربما الانتحار.
وإذا ما بدأت لدى الشخص الذي يعتني بكبار السن هذه الأعراض أو بعضها، فمن الضروري استشارة المعالج النفسي، لأن الاكتئاب شيء غير عابر وليس شيئا يزول بنفسه ما لم تتم معالجته، ويمكن أن يتفاقم ويتسبب في مشكلات نفسية وبدنية. ولكن عند الاستعانة بالمتخصصين من معالجين نفسيين وأطباء نفسيين يمكن معالجته والتخفيف منه.
وعلى مقدمي الرعاية أن يبذل جهده كي لا يصل إلى هذه الحالة عبر طلب المعونة من بقية أفراد الأسرة قبل تفاقم حالته أو تعرضه الدائم للشعور بالوحدة، من خلال التخطيط للتناوب على تقديم الرعاية. كما يجدر عدم الانقطاع عن الآخرين من الزملاء أو الأصدقاء والتواصل معهم لكي يقدموا له الدعم النفسي ويخففوا عنه إجهاد الرعاية تلك.
أخيرا همسة نوجهها لكل من لديه أم أو أب كبار في السن رعايتهم فرصة قيدوها بالبر والرحمة .