مع دخول الآباء والأمهات مرحلة الشيخوخة والعجز عن تأدية شئونهم كما السابق، تبدأ صعوبات الحياة تزداد تعقيداً أمامهم، فتتغير لديهم مفاهيم وصفات شخصية، لتبدو لدى بعض الأبناء أنها صفات لا يمكن تحملها مثل الغضب السريع وكثرة الحاجات والطلبات، وقد نسوا أن كبار السن أولئك قد نال منهم الزمن خلال شقائهم في تربية الأبناء وتوفير الرعاية لهم.
وقد يعجز بعض الأبناء البارين عن كيفية التعامل مع الوالدين عندما يدخلان مرحلة الكبر والعجز، فهم يريدون برهم وإكرامهم، ولكن دون معرفة الطريقة التي تتناسب مع عقولهم في هذه المرحلة الحرجة من حياتهم.
يقول أبو جميل البربري (51 عاماً) إنه يسكن وزوجته وأبناؤه الأربعة، برفقه والده البالغ من العمر (76 عاماً)، حيث كان يسكن في شقة منفصلة عن منزل أهله، ولكن مع وفاة والدته قبل ثلاثة أعوام، انتقل للسكن مع والده من أجل رعايته.
وقال البربري لـ”فلسطين”: “الحقيقة أن التعامل مع كبار السن يتطلب معاملة خاصة واستثنائية، وقد لمست فعلاً كيف يعود كبار السن إلى طفولتهم كلما تقدم بهم السن، حيث تصبح مشاعرهم مرهفة وحساسة، ويحتاجون إلى الرعاية الدائمة وتلبية طلباتهم التي قد لا تراعي الظروف الاقتصادية للأسرة”.
وأوضح أنه وزوجته وابناؤه يحاولون عدم تركه بحاجة إلى أي شيء، وليس على قدر تلبية الطلبات، بل مجالسته والاستماع إليه، وهذا أمر يحتاجه كبار السن بشكل كبير جداً، مشيراً إلى أن كبار السن عادةً ما يتحدثون عن تجاربهم السابقة أو بطولاتهم في الوقت الذي يشعرون فيه بالعجز، وقد تتكرر قصصهم مراراً وتكراراً لأنهم ينسون أنهم تحدثوا عنها من قبل.
أما أبو صابر العامودي (49 عاماً) فيرى أن مجالسة الوالدين عند الكبر هو واجب شرعي وأخلاقي وإنساني على كل ابن، مشيراً إلى أن كبار السن بحاجة إلى تعامل خاص والتكييف مع ما طرأ عليهم من تغيرات جسدية أو نفسية أو شخصية.
وقال العامودي لـ”فلسطين”: “لدي 6 أشقاء، وعادةً ما نتصارع لرعاية والدتنا العجوز، ونتنازع على جلبها للعيش في منازلنا، والحمد لله هذا أمر فخور به جداً، أن أرد جميل والدتي التي لطالما تحملت شقاي وطلباتي واحتياجاتي في صغري”.
وأضاف: “اتساءل دوماً، كيف تستطيع الأم تربية 10 أبناء، فيما يعجز الأبناء العشرة عن رعايتها وتحملها عند كبرها، لذا اعتقد أنه يجب زيادة الوعي حول رعاية كبار السن ورد المعروف إليهم لما قدموه طيلة حياتهم”.
وتابع العامودي: “ما يحتاجه كبار السن ليس مجرد طلبات ورعاية واحتياجات، بل للاستماع والنقاش والشعور باستمرار القيادة، وهذا ما يتوجب على الأبناء فعله، أن يشعروا والديهما أنهما لا يزالان قادة العائلة ولا يزالان ينبضان بالحديث الممتع عند الآخرين”.
كيف نتعامل معهما؟!
المتخصص الاجتماعي والنفسي زهير ملاخة، أكد أن كبار السن يعيشون مرحلة استثنائية تتطلب معاملةً خاصة بسبب الظروف التي يعيشونها والتي قد يتخللها العجز أو الإصابة بالمرض والجلوس الدائم في البيت.
وقال ملاخة لـ”فلسطين”: “فقدان الشعور بالذات هو أكبر ما يؤرق حياة كبار السن الذين كانوا يمتلكون كل شيء، والجميع يستمع إليهم ويطيعونهم، فيما اليوم أصبحوا عاجزين”، مشيراً إلى أن الإحساس بالضعف وفقدان السيطرة يهز كيانهم ويشعرهم بالتهميش في المجتمع.
وأضاف: “الرجل عندما يصل إلى مرحلة متقدمة في العمر، يكون بمثابة الرجل الكبير صاحب القيادة والسيطرة، ولكن عندما يدخل مرحلة الشيخوخة ويبدو عاجزاً، يفقد هذه القيادة والسيطرة ويبدأ الجميع بالانشغال عنه، يصبح محبطاً ومتوتراً وسريع الغضب والاستفزاز ومرهف الاحساس ويرغب بالعزلة عن المجتمع”.
وأوضح ملاخة أن هذه الحالة من الاكتئاب والتوتر التي تصيب كبار السن، تحتدم ,على الأبناء أن يخلقوا بيئة إيجابية من حولهم، لإثبات ذواتهم وأنهم لم يفقدوا أدوارهم في المجتمع.
وتابع: “يجب على الأبناء فهم الحالة النفسية لوالديهما عندما يهرمان، وتحقيق السلامة النفسية لديهم، من خلال توزيع أدوار العائلة على الوالدين بحيث لا يتركونهما وحيدين، وإشعارهما بالمساندة المستمرة، ومجالستهما والاستماع لهما حتى لو كانت قصصهما مكررة”.
ولفت ملاخة النظر إلى ضرورة إخراج كبار السن من عزلة المنزل، من خلال تنظيم الزيارات المجتمعية واشغالهم بالأنشطة، وجعلهم محل المشورة من باب إشعارهم بقيمتهم وإدخال الراحة إلى قلوبهم وتحقيق التواصل بينهم وبين المجتمع.