إن قناة “الائتمان” هي القناة التي تعظم أسعار الفائدة بالتأثير فيما يسمى علاوة مخاطر التمويل الخارجي ــ أي فرق التكلفة التي تتحملها الأسر المعيشية أو الشركات التجارية عند استخدامها أموالها الخاصة لتمويل مشتريات بدلا من الاقتراض من مصادر خارجية. وتملك الأسر المعيشية الأكبر سنا قدرا أكبر من صافي الثروة مقارنة بالأسر المعيشية الشابة، ويرجع ذلك بدرجة أكبر لأنها تعتمد على تمويل نفسها لتمويل الاستثمار أو الاستهلاك. وفي الوقت نفسه، يملك كبار السن قدرا كبيرا من الأصول التي يمكن أن تستخدم كضمان للاقتراض ولذلك ينبغي أيضا أن تكون علاوة مخاطر الاقتراض أقل وتكلفة تدبير التمويل الخارجي أقل. وتشير القدرة على التمويل الذاتي أو الاقتراض بتكلفة أقل إلى أن المجتمعات الأكبر سنا أقل حساسية لتأثير السياسة النقدية على قناة الائتمان. وهناك عدد كبير من كبار السن يعيشون في فقر في الاقتصادات المتقدمة، إلا أنهم عادة لا يتأثرون بتغيرات السياسة النقدية إلا بشكل محدود حيث لا يستطيعون الحصول على الائتمان تحت أي ظرف.
قناة «أثر الثروة»
وفقا لافتراض دورة الحياة، يمكن أن نتوقع أن تؤثر التحولات الديموغرافية في أسعار الأصول. فالشباب غالبا ما تكون لديهم أصول قليلة، بينما يملك كبار السن أصولا كثيرة. وعندما تكون أسرة معيشية قد اقتنت قدرا كبيرا من الأصول، يكون عائد كثير منها كبيرا، وهو ما يعني أن تأثير تغيرات أسعار الفائدة في دخل الأسر المعيشية الأكبر سنا يكون أكبر من تأثيرها في الأسر المعيشية التي لديها عدد قليل من الأصول المدرة للفائدة. وفي المجتمعات الآخذة في الشيخوخة، يرجح أن تكون آثار الثروة أهم لأن الثروة غالبا ما تكون متركزة في أيدي كبار السن “على الأقل في الاقتصادات المتقدمة” ومستثمرة بدرجة أكبر غالبا في منتجات ثابتة الدخل وحساسة لتغيرات أسعار الفائدة “مثل ودائع البنوك أو السندات” مقارنة بالأسهم. وبالتالي، فالتحول الديموغرافي غالبا ما يؤدي إلى زيادة الأهمية النسبية لقناة أثر الثروة، ما يزيد من فعالية السياسة النقدية. إلا أن إرخاء السياسة النقدية منذ الأزمة العالمية ربما يكون قد أضعف السياسة النقدية من خلال قناة أثر الثروة. فقد أدى خفض أسعار الفائدة الناتج عن إرخاء السياسة النقدية إلى خفض الدخل الذي يمكن أن تدره المدخرات أو الريوع السنوية، الذي ربما يكون قد شجع الأسر المعيشية الأكبر سنا على زيادة الادخار وخفض الاستهلاك. ولكن لا توجد حتى الآن أدلة تجريبية مقنعة كثيرة لدعم هذا الرأي.
ورغم أن القنوات الأخرى لم تحظ بالقدر نفسه من الدراسة، فضلا عن وجود صعوبة أكبر في رصدها، فإنها يمكن أن تغير الطريقة التي يتم من خلالها انتقال آثار السياسة النقدية. ومن أمثلة هذه القنوات ما يلي:
قناة “الإقدام على المخاطر”
تؤثر السياسة النقدية في تصورات الأفراد والشركات بشأن المخاطر. وتؤثر هذه القناة في الإقدام على المخاطر بتشجيع الأشخاص على البحث عن عائد. وقد تبين أن الكيانات المالية تقترض بدرجة أكبر “تزيد من الرفع المالي” عندما تنخفض أسعار الفائدة، وبدرجة أقل عندما ترتفع أسعار الفائدة. ويكون الوقت لدى كبار السن أقل لتعويض الخسائر، ولذلك فقد يكون في المجتمع الأكبر سنا عدد أكبر من الأسر المعيشية العازفة عن المخاطر وإقدام أقل على المخاطر بوجه عام ــ أي الاستثمار بنسب أقل في الأسهم وأكبر في السندات. وبالنظر إلى الضعف النسبي لقناة الإقدام على المخاطر في المجتمعات الشائخة، يرجح أن تتناقص فعالية السياسة النقدية.
قناة «التوقعات»
يرجح أن يكون للتحول الديموغرافي تأثير ضئيل في التوقعات لأنها تستند بدرجة كبيرة إلى مصداقية البنك المركزي ــ التي ينبغي ألا تتغير عندما يشيخ المجتمع. ولكن تشير البحوث الأخيرة التي أجريت باستخدام بيانات للمسوح إلى أنه مع تساوي جميع الاعتبارات، تتزايد التوقعات التضخمية مع شيخوخة السكان، ما يؤدي إلى سلوك العزوف عن المخاطر. ويقول اقتصاديو التمويل السلوكي إن زيادة العزوف عن المخاطر تحدث لأن الأسر المعيشية الأكبر سنا تكون بوجه عامة دائنة ولديها قدر أكبر مما يمكن أن تخسره بسبب ارتفاع التضخم مقارنة بالأسر المعيشية الأحدث سنا، التي يمكن فعليا أن تستفيد من التضخم. ولذلك فإنه من الممكن في الواقع العملي أن تستجيب البنوك المركزية لتزايد المخاوف بشأن التضخم في المجتمع الشائخ وتزيد تركيزها على استقرار الأسعار.
ولتقدير التأثير الصافي لهذه الآثار المتضاربة للتغير الديموغرافي في فعالية السياسة النقدية، قمت بتخطيط التقديرات الخاصة بالسياسة النقدية لكل بلد مقابل هيكلها الديموغرافي. وركز البحث على أكبر خمسة اقتصادات متقدمة تعتمد سياسات نقدية مستقلة خلال الفترة 1963 ــ 2007. واخترت عام 2007 لتجنب أي تعقيدات تسببت فيها الأزمة العالمية. وبمقارنة التغيرات في فعالية السياسة النقدية بالتغيرات في نسب إعالة المسنين في كل من الدول الخمس وبالتركيز على المدى الذي يمكن عنده للشيخوخة أن تفسر التغيرات في الحساسية لأسعار الفائدة، قمت بتحليل تأثير التغيرات في السياسة النقدية على التضخم والبطالة. وأكد البحث وجود علاقة ثابتة بين الاتجاه الديموغرافي العام وفعالية السياسة النقدية.