صُدم الحاج محسن (٦٥ عاماً) برغبة ابنه تركه في دار المسنين، بذريعة أن منزله لا يكفي لاستضافته بسبب ضيق الحال، وهو ما جعله يجد نفسه في غرفة تجمعه مع أشخاص غرباء، قاضياً فيها بقية حياته، بعيدا عن حلمه بالبقاء بين أحضان أبنائه بعد تقدمه في السن.
وتنقل الموظفة في إحدى المنظمات غير الحكومية المهتمة بالمسنين، أسماء الشالجي، عدداً من القصص التي تصادفها في عملها، وتقول خلال حديث لـ(المدى)، إن “الحاج محسن من أهون القصص التي سمعتها، مقارنة بمن يطرد أباه بوقاحة أو يمارس الضرب والتعنيف تجاه والدته”.
وتضيف، أن “الحاج محسن يملك ابنين وابنة، حيث يقيم أحد الأبناء خارج البلاد، والابنة متزوجة وتسكن في محافظة أخرى، أما الابن الأخير، فقد قام بطرد والده بسبب عدم تقبل زوجته لفكرة إقامته معها، على الرغم من أن المنزل ملك للأب”.
وتكمل، أن “الخدمات التي تقدم في دور المسنين باتت تتأثر بالأعداد المتزايدة، مما يستدعي بناء دور جديدة في بغداد وبقية المحافظات”، مشيرة إلى “أهمية إجراء عمليات صيانة دورية، خاصة وأن بعض الدور يعود تاريخها لحقبة العثمانيين، كما نبهت إلى أهمية توفير المزيد من المستلزمات الغذائية”.
وتتابع الشالجي، أن “ازدياد أعداد المسنين في الفترات الأخيرة يأتي بسبب نقص الرحمة والمحبة بين أفراد الأسرة”، لافتة إلى “تلقيها مناشدات من بعض الأبناء لأخذ آبائهم لدور المسنين، وتلقي طلبات مماثلة من الأقارب والجيران أو حتى المسنين أنفسهم”.
وتدعو أسماء جميع الفرق التطوعية والمنظمات الإنسانية إلى، “زيادة زياراتها لدور المسنين، حيث يمكن للمسنين أن يجدوا السعادة والحب في هذه الزيارات، وتنظيم الحفلات في المناسبات العامة”.
وتبين، أن “هناك فرق تطوعية تعمل بجد لتحسين ظروف المسنين، حيث قامت إحداها بإنشاء مقهى داخل دار المسنين، بينما عمل فريق آخر على إنشاء قسم خاص لذوي الاحتياجات الخاصة”.
وتشدد أسماء على “ضرورة توفير رعاية ملائمة لكوادر دور المسنين، حيث أشارت إلى أن رواتبهم تُعتبر (متدنية جداً)، مما يستدعي تحسين الأوضاع المالية لهم لضمان تقديم خدمات متميزة لكبار السن في مجتمعنا”.
من جانبه، يقول مسؤول دار الرشاد للمسنين في بغداد، علي الغراوي، في حديث لـ(المدى)، إن “الدار يوفر كامل الرعاية الصحية والاجتماعية، من توفير المستلزمات الشخصية والغذاء اليومي بالإضافة الى العلاجات الخاصة بالامراض المزمنة”، مشيراً إلى أن “الدار توفر كوادر طبية خاصة وسيارة اسعاف فوري لنقل الحالات الطارئة للمستشفيات، وتلقي العلاج او اجراء العمليات”.
ويضيف، أن “وزارة الصحة من خلال مستشفياتها توفر الدعم الطبي الشامل لمرضى دار الرشاد”.
ويتابع، أن “الدار اصبحت تستقبل اعدادا تفوق الطاقة الاستيعابية المحددة، مما يؤثر على نوع الخدمات المقدمة للراقدين في الدار”، مشيراً إلى “وجود 134 مسناً، بمعدل 84 رجلاً 50 امرأة”.
ويبين الغراوي، أن “الرجال أكثر حضوراً في الفترات الأخيرة”، موضحاً أنّ “الطاقة الاستيعابية للدار تبلغ (75) شخصاً”.
وعن الأسباب التي تدفع المسنين إلى دور الرعاية، يكشف علي الغرواي في حديثه لـ(المدى)، أن “عجز عائلة المسن عن رعايته بسبب سوء وضعه الصحي، أو قد يكون المسن من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى الإهمال الذي يجعل المسن يشعر بالانفراد ويترك منزله، وتصاعد المشاكل الأسرية بين الزوجة والأم أو الأب، وسوء سلوك الأبناء أو سفر أهل المسن خارج البلاد”.
ويؤكد الغراوي، أنه “نُسق مع رابطة المصارف الخاصة العراقية، وتم انشاء عمارة مكونة من 34 غرفة نوم وصالة ترفيهية، كما دُرج قسم آيل للسقوط ضمن خطة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لغرض ازالته وإعادة بنائه”، مبيناً أن “الدار بين حين وآخر ينظم سفرات وبرامج ترفيهية، بالشراكة مع الفرق والمنظمات التطوعية والشرطة المجتمعية”.
إلى ذلك، يقول الباحث النفسي، مؤمل مجيد، خلال حديث لـ(المدى)، إن “معظم المسنين في دور الرعاية يعانون من مشاكل تتعلق بأبنائهم، الذين تركوا جروحاً عميقة في نفسياتهم”، مضيفاً أن “كل مسن يحمل قصة شخصية قد تكون مؤلمة للغاية، وأن هناك مشاكل تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية والمادية”.
ويؤكد على ضرورة “تقديم الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء المسنين الذين يعانون من أمراض نفسية وصحية”، فيما بين أن “وجودهم في دور الرعاية قد يكون مرهقاً نفسياً، حتى في ظل الجهود المبذولة من قبل إدارات الدور”.
ويوضح الباحث النفسي، أنه “بسبب وضعهم النفسي والصحي، قد يصبح التذمر والشكوى من الأمور الطبيعية ظاهرة شائعة بينهم”، لذا يجد أنه من المهم “تقديم الدعم النفسي الكامل، من خلال توفير كوادر متخصصة في علم النفس في كافة دور الرعايا”.
ويعبر مجيد عن أسفه، “للقصص المحزنة المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون، التي تروي حكايات عن آباء مهملين في الشوارع، معبراً عن انزعاجه من تزايد هذه الظاهرة التي تعود إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والتي تفاقم من حدة المعاناة الاجتماعية”.
كما تهدف دور رعاية المسنين وفق القانون العراقي لنظام الدور رقم 4 لسنة 1985 المادة 2، إلى تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية والثقافية والترفيهية للمستفيدين، بغرض تمكينهم من التغلب على الآثار التي نجمت عن عجزهم وضمان حياة كريمة هادئة لهم خلال مدة بقائهم في هذه الدور.
ويشار إلى أن العراق يضم 15 مركزا لإيواء العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة والعاجزين كليا ودور تأهيل الأحداث والمقطوعين والأيتام، متوزعة على المحافظات باستثناء محافظات إقليم كردستان العراق (أربيل ودهوك والسليمانية) فتضم بغداد 6 مراكز.
وكركوك ضمت مركزا واحدا وهو نفس العدد الذي ضمته محافظات ديالى والأنبار وبابل والبصرة وكربلاء وواسط والنجف والقادسية وذي قار.