دعا ديننا الحنيف للبر بالوالدين والإحسان إليهم وعدم التضجر أو الضيق منهم، وهو ما يعتبر أقل تقدير يستحقه الوالدان رداً للجميل الذى قدموه لأبنائهم فى الصغر من رعاية وحب واهتمام لكن بعدما يقف الأبناء على أقدامهم ويبدأون فى شق طريقهم بالحياة يتركون والديهم فى مشهد يمتلئ بالعقوق والجحود بعد أن ضعف الوالدان ورق عظمهما وأصبحا فى أمس الحاجة للرعاية بعد أن أصبحا عاجزين عن خدمة أنفسهم.
فيقرر الأبناء إلقاء الوالدين بدار الرعاية أو دار المسنين الخالية من كل أشكال الرعاية، بعد أصبحت رعايتهم ثقلاً على كاهل الأبناء وهو ما ينذرهم بسوء الخاتمة وتوعد بتعجيل عقابهم بالحياة الدنيا قبل الآخرة.
لا أحد يعلم مدى الضرر والألم النفسى الذى تشعر به الأم أو الأب عندما يلمح نظرات الجحود والعقوق بعيون أبنائه وهم يودعونه فى مشهد أخير يعتصر قلب كل إنسان له، وهو يعلم جيداً فى قرارة نفسه أنها ستكون الزيارة الأخيرة وسينتهى به الحال بعد رحلة من الوحدة والانعزال إلى وضع اسمه على ورقة تسمى نعيا على أحد الصحف أو المواقع!، فينظر الوالدان للأبناء بدموع حبيسة وحسرة على الأبناء الذين كانوا بالأمس ضعفاء وفى حاجة للحب والحنان والاحتواء، فيكون رد الجميل اليوم هو إيداعهم فى دار انتظار الموت كما أسميها، التى تمتلئ بحوائط باردة مظلمة خالية من العواطف والدفء والحنان.
تعددت أشكال الجحود لكن الوجع واحد، فمن لم يستطع مخالفة رغبة زوجته، أو من لم تستطع تقديم الرعاية اللازمة لأمها يقررون المضي قدماً نحو الطريق الأسهل للتخلص من أوجاع وأزمات والديهم، ويقومون بإلقائهم فى دار الرعاية فى مجتمعنا العربي الذى لطالما تميز بقوة علاقاته الإجتماعية خاصة المتعلقة بالروابط العائلية.
ليت الأبناء يعلمون أن البر بالوالدين هو أعظم سبب لوصولهم لبوابة الجنة، فمجرد دعوة أحد الوالدين للأبناء ووجودهم فى كنفهم يجعل البركة والخيرات ورضى الرحمن عز وجل تنهمر عليهم ويفتح لهم أبواب الخير من السماء.
قال تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا • وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا • رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ).
المصدر : جريدة البلاد السعودية