أسماء سحبون
زادت نسبة التهرّم السكاني في تونس ليبلغ عدد المسنين 11.7 ٪ من مجموع السكان سنة 2014 والنسبة مرشحة لبلوغ 19.8 ٪ سنة 2034. وجه تونسي جديد غزته التجاعيد وبرزت فيه صعوبات امام الابناء مقابل اهمال الدولة.
أثارت حادثة مقتل مسن مقيم في مركز رعاية المسنين بمنوبة مطلع افريل المــنصرم في حادث مرور بعد مغادرته المركز الجدل مجددا حول وضع كبار السن في تونس سواء كانوا المقيمين منهم في مؤسسات الدولة او هؤلاء المقيمين في اسرهم. فكبار السن يواجهون الصباح نقائص عدة في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية وأصبحوا يواجهون ضغوطات عدة رغم انهم شريحة عمرية في طريقها نحو الزيادة بسبب التركيبة الديمغرافية الجديدة للمجتمع التونسي وفقا لما تؤكده الاحصاءات الرسمية.
إهمال
تمثلت حادثة مقتل المسن في دار الرعاية بمنوبة في مغادرة الضحية للمركز وتعرضه اثر ذلك الى حادثة مرور وتوفي دون ان تنتبه ادارة المركز للامر. وفي الصباح التالي هاتفت ادارة المركز أسرة الضحية تستفسر عن مكان تواجد الضحية والذي غادر منذ الامس المركز!. حينها تحركت اسرته وبادرت بالبحث فعثرت عن قريبها متوفيا في احدى المستشفيات بعد ان صدمته سيارة. أسرة الضحية قررت مقاضاة المركز بتهمة الاهمال في الوقت الذي تدافع فيه ادارة المركز عن عدم مسؤوليتها عن الحادث باعتبار ان المسنين لهم كافة الحرية في التنقل وان الضحية سبق وان غادر من قبل لزيارة اهله. الا ان تقريرا تلفزيا حول وضع المسنين في المركز فضح الامر مجددا اذ نجح النـــــــادي التلفزي في توثيق مغادرة مسنة مصابة بالزهايمر للمركز دون اكتراث الاعوان لها ليتدخل مقيم ويمنعها من المغادرة حتى لا تكون بدورها ضحية لحادث مرور في حال غادرت خاصة وانها مريضة.
في ذات التقرير التلفزي اشتكى المقيمون من سوء المعاملة حيث يتعرضون للإهمال وللسرقة ولشتى انواع التجاوزات من قبل المشتغلين هناك. تجاوزات صادمة جعلت وزيرة المراة نزيهة العبيدي تحل فجرا بالمركز في الصباح التالي لتفقد الوضع. وتؤكد إيمان بالشيخ كاهية رئيس رعاية كبار السن بالوزارة لـ”الشروق” ان التجاوزات والاخلالات امر واقع وقد تم اعتماد جملة من الاجراءات لتسوية وضعيات دور الرعاية للرفع من جودة الخدمات المقدمة للمقيمين.
أزمة ماليّة
من ضمن المقترحات التي تم الاتفاق عليها تجاوزا لفضيحة مركز رعاية المسنين في منوبة ولتفادي حدوث تجاوزات مماثلة في بقية دور الرعاية في مختلف الجهات تم احداث لجنة دائمة تشمل ممثلين عن مختلف الهياكل المتداخلة في مجال المسنين ومن مهامها الزيارات الفجئية المستمرة مع اعتماد كراس زيارات ومن المقترحات ايضا أعانَه ورسكلة الاطارات واحداث منظومة معلوماتية خاصة بمؤسسات رعاية المسنين «لتمكيننا من المتابعة والمراقبة بهدف تحسين المتابعة عن بعد فدون متابعة يومية ستستمر التجاوزات» وفقا لإيمان بالشيخ.
وكان من المرتقب ان تحصل ادارة رعاية كبار السن بوزارة شؤون المراة والاسرة والطفولة والمسنين على منحة تمويل قيمتها 100 الف دينار في ميزانية 2018 وضعت من اجلها برنامجا رقميا لتطوير الخدمات الموجهة لكبار السن الا انه تم ترحيل هذا المبلغ الى ميزانية العام الاتي لاسباب لا تظهر واضحة. وقد يكون الامر متعلقا بوضعية المالية العمومية والتي اصبحت تقتات من اموال كبار السن بما في ذلك اجور المتقاعدين حيث تتكرر التصريحات الرسمية حول سيناريو عدم القدرة على سداد اجور المتقاعدين بسبب ازمة الصناديق وازمة المالية العمومية.
من المقترحات ايضا احداث حديقة علاجية في مركز رعاية المسنين بمنوبة في مضمـار مشروع حياة والمقصود بمشروع الحياة هو معرفة كيفية ملء فراغ كل مسن حسب ميولاته ورغباته من ذلك توفير مطبخ في كل دار رعاية خاصة بالمسنين حيث يطبخون كل شهواتهم والتي لا تتم برمجتها في الأكلات المقدمة لهم في المركز على سبيل المثال الملوخية وكذلك تحضير المرطبات حتى يشعر المسن بالاندماج «وهذا امر ينص عليه النظام الداخلي للمراكز» وفقا لإيمان بالشيخ.
كذلك أخـبرت المتحدثة انه سيتم تفعيل الفــــــريق النهاري بمركز منوبة تفاديا لجملة النقائص والاخلالات التي تم الكشف عنها.
مندوب لحماية المسنين
وكانت وزارة المراة قد قدمت خــلال شهر تُشَرِّيَــنَّ الْأَوَّلُ المــنصرم وبمناسبة الصباح العالمي للمسنين الموافق لغرة تُشَرِّيَــنَّ الْأَوَّلُ من كل سـنــــة مشروع مجلة كبار السن والتي ستخلف القانون عدد 114 لسنة 1994 المتعلق بحماية المسنين وسيتم عرضها قريبا على المجلس الوزاري قبل عرضها على مجلس النواب للمصادقة.
تنص هذه المجلة على احداث خطة مندوب حماية المسن كذلك شمل هذه المجلة الرعاية بما فيها الرعاية البديلة والرعاية المؤسساتية والرعاية داخل الاسرة وكذلك ادماج المسن في الامكانات وأفادته للمجموعة الوطنية بخبرته والتصدي للعنف المسلّط ضد كبار السن والتنصيص على عقوبات جزائية في هذا الشان.
وتوضح ايمان بالشيخ لـ»الشروق» ان قانون 94 لا يتماشى مع تطورات المجتمع التونسي لا من حيث التركيبة العمرية ولا من حيث هيكلة المسنين وفي هذا المضـمار تنزلت مجلة كبار السن بهدف تحقيق الرفاه لكبار السن اذ تم اعدادها وفقا لمقاربة تشاركية وتم فيها الاعتماد على مقاربة حقوقيّة متضمنة بالاستناد الى المبادئ الاممية الخمسة وهي المشاركة وتحقيق الذات والاستقلالية والرعاية والكرامة.
كذلك أوضحت المتحدثة ان قانون 1994 ينظر الى المسن ككائن ضعيف وفي حاجة للرعاية والمجلة تنظر للمسن كفاعل في المجتمع.
خارج دور الرعاية الرسمية والمتواجدة في منوبة (اكبر المراكز يشمل 120 سريرا) وڤفصة وڤرمبالية وسوسة وصفاقس ومنزل بورڤيبة وباجة تسعى السلطات الرسمية نحو احداث نواد نهارية خاصة بالمسنين في القطاع العام والمجال مفتوح للقطاع الخاص. وتقول ايمان بالشيخ ان الوزارة لا تريد العمل على الكم بل تشتغل على جودة مساعدات هذه النوادي وهو الامر الذي يفسر هبوط عدد هذه النوادي بعد عملية الجرد باعتماد مقياس الجودة من 55 ناديا الى 19 ناديا فقط امّا في القطاع الخاص فان المجال مفتوح لمن يرغب في فتح ناد نهاري وهي الى حد الان ليست خاضعة الى كراس شروط عكس النوادي النهارية العمومية.
نواد نهارية
المقصود بالنوادي النهارية ذات الجودة تلك التي لا يقتصر فيها نشاط كبار السن على لعب الورق (الشكبة) بل تلك التي تمنح الفرصة لكبير السن لتطوير مهاراته وهواياته وكذلك لتلقّي دورات تدريبية مثلا في الإسعافات الاولية «من ذلك تجربتنا النموذجية مع جمعية مازالت البركة بجندوبة حيث تم تنظيم دورات تدريبية للجدات حول الإسعافات الاولية خاصة وان بعضهنّ ترعى احفادهنّ وتحتجن لمثل هكذا تدريب» وفقا لمحدثتنا.
كذلك تم الترفيع في المنحة الخاصة بالمتكفلين بكبار السن لدى اسرهم لتصبح في حدود 200 دينار. الا ان مجمل هذه المجهودات الرسمية لا يمكنها باي حال من الاحوال ان تكون الحل النموذجي للرعاية بكبار السن والذين يلاقون ايضا تجاوزات داخل اسرهم من ذلك تعرضهم للعنف ولنا في حقق المحاكم قضايا في العنف الشديد حد القتل ضد مسنّين داخل اسرهم من ذلك تعمد شاب مدمن على الأقراص المخدرة قتل خاله المسن بعد ان انتبه اليه وهو يحاول سرقة ادويته.
كذلك جديــر بالــذكر الى ان المسنين اصبحوا من ضمن ضحايا الانتحار اذ يشير التقرير السنوي للمرصد الاجتماعي للتونسي حول الانتحار لسنة 2015 ان 27 مسنّا اقدموا على الانتحار اي بمعدل مسنّين شهريا لاسباب تعلقت بعدم القدرة على الاعلام وأسباب اخرى اقتصادية واجتماعية وصحية. وانتحار المسنين هو امتحان اخلاقي للدولة والمجتمع.
كذلك تواجه تونس استحقاقات صحية جديدة على ضوء تغير التركيبة الديمغرافية للمجتمع اذ تشير الارقام الرسمية الى ان مؤمّل الحياة عند الولادة والبالغ 74.2 عاما سنة 2007 سيصل 79 سنة في 2024 و80 سنة في 2029 وبالتالي ستحتاج هذه الشريحة العمرية الواسعة الى رعاية صحية ومن هنا يكون طب الشيخوخة ذا اولوية في القطاع الصحّي ولم لا احداث وحدة للبحث حول التهرّم السكاني في الصحة العمومية.
المصدر : مانشيت