الشيخوخة ليست مرضا ينبغي علاجه أو عيبا يجب التستر عليه وهي ليست حالة جسدية فقط وانما حالة ذهنية ونفسية…وعاطفية ينبغي الانتباه لحصولها. من حقنا أن نكبر وأن نشيخ، لكن من المؤسف هو أن نشيخ قبل الأوان. الشيخوخة أيضا هي الاعتقاد بأن القطار فاتنا لنعمل، لنتجدّد، لنسافر، لنثور، لنتزوّج، لننفصل، لنحلّق ولنغوص في الأعماق.
– الشيخوخة الطبيعية:
يعتقد البعض بأن الشيخوخة هي كِبر السن وتتمثّل بالضعف الجسماني، أو بضعف الذاكرة، أو بظهور التجاعيد في الوجه، أو باتساع مساحة الشعر الشائب، أو بالصلع، أو بتلاشي النظر أو السمع، أو بالوهن في الرغبة الجنسية، أو بانحناء الظهر، أو بتداعي الأسنان، أو بقلة الشهية للطعام، لكن هنالك علامات أخرى لا تقل أهمية عنها والتي “تزف لنا” خبر وجودنا على عتبة الشيخوخة. العلامات الخارجية التي ذكرناها سابقا قد تضللنا وتجعلنا بحيرة من أمرنا حول ماهية من يمتثل أمامنا الآن، هل هو شيخ متصابٍ أم شاب شاخ قبل أوانه؟
الشيخوخة المقاميّة:
إذا أردت أن تتأكد أنك غدوت شيخا أو ما يسمى بالعامية “ختيار” فاعلم أن هنالك بعض السلوكيات التي تعكس ذلك، أولها التحدث بدون انقطاع عن مديح الماضي والمقارنة بينه وبين الحاضر، والادعاء بأن شباب اليوم عديمو التربية والأخلاق ولا يحترمون كبار السن وأن تلاميذ المدارس لا يحترمون معلميهم، وأن التآخي بين الناس قد انعدم في هذه الايام، وأن العنف المتفشي في المجتمع لم يكن له مثيل له في الماضي. كل هذه العلامات تبشّر بقدوم الشيخوخة.
الشيخوخة الذاكريّة:
عندما تذكرك كل حادثة تحصل معك بحادثة مشابهة حصلت في الماضي وتبدأ بسردها على من حولك رغم أنفهم، أو عندما تدرك بأنك لا تُلمّ بأسماء مطربي أو مطربات اليوم، أللهم إلا “نانسي عجرم” أو “هيفاء وهبي”، وأنك لا تشاهد في التلفزيون غير البرامج الإخبارية فاعلم انك على عتبة الشيخوخة. عندما تعتقد أن كل العاملين والموظفين في المكاتب الرسمية هم شباب صغار السن، أو عندما تختار أصدقاءك من فئة الجيل التي تخصك فقط، أو عندما تعتقد بأنه فات الأوان لتحصل على لقب جامعي جديد، أو استبدال مسار المهنة أو تغيير مكان الإقامة، أو أن الوقت متأخر اليوم لتعلم الرقص أو السباحة، لأن كل ذلك يخص الشباب فقط ، فاعلم انك على عتبة الشيخوخة.
الشيخوخة العملية:
عندما تعتقد بأن بكل مبادرة مغامرة، وبكل جديد مخاطرة وأن الوضع القائم لا يمكن تغييره أو تصحيحه، وأن الشخص الذي تعرفه أفضل ممن لا تعرفه، وأن العمل كأجير أفضل من العمل كمستقل، وأنك لم تقبل لمكان العمل لكون مؤهلاتك وشهاداتك أعلى بكثير من متطلبات الوظيفة، أو عندما تحتاج إلى أكثر من صفحتين لتدوين سيرتك الذاتية، أو عندما تبدأ بتقدير التعويضات التي ستحصل عليها بعد خروجك الرسمي للتقاعد قبل عشر سنين من حصوله، فاعلم انك على باب الجيل الذهبي.
الشيخوخة الظاهرية والاجتماعية:
عندما نشيخ نبدأ بتفضيل المبيت في البيت ونعتقد أن أكل البيت أفضل أو أرخص أو أنظف من أكل المطاعم، وأن ارتياد دور السينما هو تبذير للوقت والمال، فالقنوات التلفزيونية تعج بالأفلام. عندما نشيخ نفضّل الوحدة على الصحبة والمكوث في البيت على الخروج والاكتفاء بالأصدقاء الذين نعرفهم. عندما نشيخ نميل الى الادّخار والتقتير واعتبار أي مصروف خارج عن نطاق الضروري كإسراف وتبذير. عندما نشيخ يرتفع صوتنا وتزيد ثرثرتنا ويتفاقم تدخّلنا في شؤون الغير لنثبت أننا ما زلنا على حيلنا وأن لنا رأيا سديدا نريد إبداءه، ولنا تجربة سابقة في الموضوع نصرُّ على إشراك الجميع بها، ولنا حكمة نبغي التفاخر بها. عندما نشيخ نختار ملابسنا حسب موديل “يليق” بجيلنا، وألوانا باهتة تميل إلى الكآبة ومقاسات فضفاضة، ونعتقد أنه لا يصح أن نختار ألواناً فاقعة أو ملابسَ مزركشة أو ضيّقه، وكأن هنالك قانونا يمنع ذلك. عندما نشيخ نفرط بالتزامنا بالقانون والإتيكيت والعادات والتقاليد والتعليمات.
ومجمل حكمتنا من شيخوختنا …
الشيخوخة ليست مرضا ينبغي علاجه أو عيبا يجب التستر عليه وليست فقط حالة جسدية، وإنما حالة ذهنية ونفسية وعاطفية ينبغي الانتباه لحصولها وإيجاد الطرائق للتعامل معها. من حقنا أن نكبر وأن نشيخ، بل هذه هي مسيرة الحياة الدنيا، فالكل يكبر ويشيخ ولا استئناف على مشيئة الله سبحانه وتعالى، لكن المؤسف هو أن نشيخ قبل الأوان وأن نعتقد بأنه فات الأوان لنعمل، لنجدّد، لنسافر، لنثور، لنتزوّج، لننفصل، لنحلّق، لنغوص في الأعماق وأن هنالك أعمالا وسلوكيات تخص الشباب ولا تليق بكبار السن وأن هنالك لوائح زمنية متبعة تقرر مصيرنا وتحدد خطواتنا ينبغي الالتزام بها والعمل حسبها.
المصـــدر : موقع بانت