العشر من ذي الحجة تُعد من أعظم مواسم الطاعات في الإسلام، وهي أيام أقسم الله بها في كتابه الكريم، فقال: “وليالٍ عشر”. في هذا المقال، سنأخذك في رحلة روحانية لاستكشاف فضل العشر من ذي الحجة، ولماذا وصفها النبي ﷺ بأنها “خير أيام الدنيا”.
هذه الأيام المباركة ليست مجرد تقويم هجري نمرّ عليه مرور الكرام، بل هي فرصة إيمانية ثمينة لا تتكرر إلا مرة في العام، تتضاعف فيها الأجور وتُغفر فيها الذنوب وتُرفع فيها الدرجات.
تعتبر فضل العشر من ذي الحجة من أفضل أيام السنة، لما لها من مكانة عظيمة في الإسلام، وارتباطها بأعظم الشعائر كالحج ويوم عرفة والأضحية. فما السرّ وراء هذه المنزلة الرفيعة؟ ولماذا حثّ النبي ﷺ على الإكثار من العمل الصالح فيها؟ تابع معنا لتتعرف على أسرار هذا الموسم العظيم، وكيف تستثمره بأفضل شكل ممكن لتجدد إيمانك وتغتنم فرص المغفرة والرضا الإلهي.
ما هي العشر من ذي الحجة؟
العشر من ذي الحجة هي أول عشرة أيام من شهر ذي الحجة، وهو الشهر الثاني عشر في التقويم الهجري. تبدأ هذه الأيام من اليوم الأول وحتى اليوم العاشر الذي يُعد يوم النحر (عيد الأضحى).
وقد ورد عن العلماء أن هذه الأيام هي أشرف أيام السنة على الإطلاق، فهي تجمع بين أنواع متعددة من العبادات التي لا تجتمع في غيرها من الأيام، مثل: الصلاة، الصيام، الصدقة، التكبير، الذكر، والأضحية، إضافة إلى أداء مناسك الحج.
لماذا اختصها الله بالفضل؟
خصّ الله تعالى العشر من ذي الحجة بعدة ميزات، منها:
1. القسم الإلهي بها
جاء في سورة الفجر: “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ”، وقد أجمع كثير من المفسرين أن المقصود بـ”ليالٍ عشر” هي ليالي العشر من ذي الحجة. وهذا القسم من الله يدل على عظم هذه الأيام ومكانتها.
2. اجتماع أعظم العبادات فيها
لا توجد أيام أخرى في السنة يجتمع فيها الحج والصيام والصلاة والصدقة والذكر والأضحية كما تجتمع في العشر من ذي الحجة، وهي فرصة لا تتكرر إلا مرة في العام.
3. شهادة النبي ﷺ بأنها “خير أيام الدنيا”
عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:
“ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام”، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” [رواه البخاري].
العبادات المستحبة في العشر من ذي الحجة
1. التوبة والرجوع إلى الله
بداية العشر من ذي الحجة تمثل فرصة عظيمة للرجوع إلى الله والتوبة الصادقة من الذنوب، فهي مناسبة لاستقبال موسم الطاعة بقلب خاشع ونية صادقة.
2. الصلاة والمحافظة على الفروض والنوافل
المحافظة على الصلوات الخمس في وقتها مع الإكثار من السنن الرواتب وصلاة الضحى وقيام الليل من أفضل الأعمال في هذه الأيام.
3. الصيام
يُستحب صيام التسعة أيام الأولى من العشر من ذي الحجة، وخاصة يوم عرفة، فقد ورد أن صيامه يكفر ذنوب سنة ماضية وسنة قادمة.
4. الذكر والتكبير
قال الله تعالى: “وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ” [الحج: 28]، وقد فسرها ابن عباس بأنها أيام العشر.
ويستحب التكبير المطلق في أي وقت، والتكبير المقيد بعد الصلوات ابتداءً من فجر يوم عرفة حتى عصر آخر أيام التشريق.
5. الصدقة والإحسان
من أبواب الطاعات العظيمة، وتفتح أبواب الأجر في العشر من ذي الحجة لمن يُطعم الجائع، أو يكسو فقيرًا، أو يساعد محتاجًا.
6. قراءة القرآن والتدبر
استثمار الوقت في تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه هو من أعظم القربات، وخاصة في هذه الأيام الفضيلة.
7. الأضحية
من أبرز شعائر الإسلام في العيد، وهي سنة مؤكدة عن النبي ﷺ، وذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد حتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
يوم عرفة: أعظم أيام العشر
يوم عرفة هو اليوم التاسع من العشر من ذي الحجة، وله مكانة عظيمة، ففيه يقف الحجاج على صعيد عرفة، والدعاء فيه لا يُرد، والصيام فيه لغير الحاج مستحب للغاية.
قال النبي ﷺ: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” [رواه مسلم].
وهو يوم عتق من النار، وموسم لمغفرة الذنوب، وفرصة لمناجاة الله وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة.
العيد في ختام العشر: عيد الأضحى المبارك
في اليوم العاشر من ذي الحجة، يحتفل المسلمون بعيد الأضحى، وهو ختام العشر من ذي الحجة، وتُذبح فيه الأضاحي، وتُؤدى صلاة العيد، وتُعان الأسر الفقيرة، وتُصل الأرحام.
ويُعد هذا اليوم تتويجًا لرحلة الطاعة والعمل الصالح التي قضاها المسلم في الأيام التسعة السابقة.
كيف نغتنم العشر من ذي الحجة عمليًا؟
1. خطة يومية للعبادة
-
صيام النهار.
-
قيام جزء من الليل.
-
ورد يومي من القرآن.
-
ذكر واستغفار وتكبير.
-
صدقة ولو قليلة.
2. وضع أهداف محددة
-
ختم القرآن مرة واحدة.
-
التصدق بمبلغ محدد.
-
تخصيص وقت للدعاء والتضرع.
3. إشراك الأسرة
علّم أبناءك فضل العشر من ذي الحجة، وشاركهم في الصيام والصدقة وقراءة القرآن، واجعل البيت جوًا إيمانيًا يفيض بالبركة.
أقوال العلماء والسلف في فضل العشر من ذي الحجة
قال الإمام النووي:
“العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام السنة على الإطلاق للعمل الصالح، وأفضل منها في الليالي العشر الأواخر من رمضان بسبب ليلة القدر، وأما النهار فالعشر أفضل.”
وقال ابن حجر:
“السبب في فضل العشر من ذي الحجة اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي لا تجتمع في غيرها.”
الفرق بين العشر من ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان
المقارنة | العشر من ذي الحجة | العشر الأواخر من رمضان |
---|---|---|
الأفضلية في النهار | أفضل أيام السنة | فضلها في الليل |
وجود الحج | نعم | لا |
ليلة القدر | لا | نعم |
الأضحية | نعم | لا |
التكبير والتهليل | ظاهر ومسنون | غير ظاهر |
كلاهما عظيم، ولكل منهما مميزاته، ولكن على المسلم أن يجتهد في كليهما.
لماذا يغفل الناس عن العشر من ذي الحجة؟
رغم الفضل العظيم لـالعشر من ذي الحجة، إلا أن كثيرًا من المسلمين لا يعطونها نفس الاهتمام الذي يعطونه لرمضان. ويُعزى ذلك إلى:
-
غياب التوعية الكافية.
-
عدم وجود شعائر جماعية واضحة (كالصيام الجماعي، أو صلاة التراويح).
-
انشغال الناس بالإجازات أو الاستعداد للعيد.
لذلك، فإن على الدعاة ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية أن تُبرز فضل هذه الأيام وأن تحيي شعائرها.
العشر من ذي الحجة في ضوء الواقع الحديث
مع تطور الحياة وتسارع وتيرتها، أصبح اغتنام العشر من ذي الحجة يتطلب عزيمة وتخطيطًا، خاصة مع انشغال الناس بأعمالهم ووسائل الترفيه.
ومع ذلك، يمكن استخدام التكنولوجيا في تذكير النفس وأهل البيت بأهمية هذه الأيام، مثل:
-
متابعة البرامج الإسلامية.
-
تفعيل التنبيهات للأذكار.
-
تخصيص مجموعات واتساب للتواصي بالخير.
إن العشر من ذي الحجة ليست مجرد أيام تمرّ علينا في تقويم السنة الهجرية، بل هي أعظم فرصة يرسلها الله لعباده ليجددوا العهد معه، ويغسلوا ما ران على قلوبهم من الذنوب والغفلة، ويعودوا إليه بقلب سليم وعمل صالح.
ففي هذه الأيام المباركة، تتفتح أبواب الجنة، وتُضاعف الحسنات، وتُغفر السيئات، ويُستجاب الدعاء، ويُعتق العباد من النار، ويُسَنّ فيهم التكبير والتهليل، وتُقام شعائر عظيمة كالحج والأضحية وصيام يوم عرفة.
ومع كل هذه الفضائل، يظل الفوز الحقيقي لمن أدرك قدر هذه الأيام، واستثمرها في طاعة الله، وأحياها بالذكر والصيام والقرآن والقيام. فالعبرة ليست بكثرة الأيام، بل بمدى بركتها وتأثيرها على القلب والروح.
اجعل من العشر من ذي الحجة بداية جديدة في علاقتك مع الله، ولا تدعها تمضي دون أن تترك فيك أثرًا من نور الإيمان، وسكينة الطاعة، وصدق التوبة. إنها أيام معدودات، لكنها قد تصنع فرقًا أبديًا في ميزان حسناتك.
الأسئلة الشائعة
1. ما هي أفضل الأعمال التي يُستحب القيام بها في العشر من ذي الحجة؟
من أفضل الأعمال في العشر من ذي الحجة: الصيام، خاصة يوم عرفة، الإكثار من الذكر والتكبير، الصلاة على وقتها، قراءة القرآن، الصدقة، التوبة الصادقة، وصلة الرحم. كما تُستحب الأضحية لمن استطاع.
2. هل الصيام واجب في العشر من ذي الحجة؟
الصيام في العشر من ذي الحجة ليس واجبًا، لكنه مستحب بشدة، ويُعد من أفضل الأعمال التي يمكن أداؤها خلال هذه الأيام، ويختص يوم عرفة بفضل خاص لمن لم يحج، إذ يكفر صيامه ذنوب سنتين.
3. هل توجد صيغة معينة للتكبير في العشر من ذي الحجة؟
نعم، هناك عدة صيغ مشروعة للتكبير في العشر من ذي الحجة، منها:
-
“الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”
-
أو: “الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً”
4. متى يبدأ وينتهي وقت التكبير في العشر من ذي الحجة؟
يبدأ التكبير المطلق من دخول شهر ذي الحجة وحتى عصر ثالث أيام التشريق (اليوم 13). أما التكبير المقيد (بعد الصلوات) فيبدأ من فجر يوم عرفة حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.
5. ما هو فضل يوم عرفة ضمن العشر من ذي الحجة؟
يوم عرفة هو اليوم التاسع من العشر من ذي الحجة، ويُعد من أعظم أيام السنة، فقد ورد عن النبي ﷺ أن صيامه يكفّر ذنوب سنة ماضية وسنة قادمة، كما يُستحب الإكثار من الدعاء فيه لأنه يوم عتق من النار ومغفرة ورحمة.
6. هل يجب على المرأة الحائض أو النفساء أن تصوم أو تكبّر في العشر من ذي الحجة؟
لا يجب على المرأة الحائض أو النفساء الصيام أو الصلاة خلال هذه الأيام، ولكن يمكنها الإكثار من الذكر والتكبير في العشر من ذي الحجة، وقراءة القرآن من غير مس المصحف، والقيام بالأعمال الصالحة الأخرى كالتصدق والدعاء.
7. ما الفرق بين العشر من ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان؟
العشر من ذي الحجة أفضل من حيث نهارها، حيث تجتمع فيها أنواع متعددة من العبادات، أما العشر الأواخر من رمضان فأفضل من حيث ليلها بسبب وجود ليلة القدر. كلاهما عظيم، ويُستحب الاجتهاد في كل منهما.
8. هل يستحب ختم القرآن في العشر من ذي الحجة؟
نعم، يُستحب استغلال العشر من ذي الحجة في تلاوة القرآن الكريم وختمه إن أمكن، فقراءة القرآن من أعظم القربات، وأجرها يتضاعف في هذه الأيام المباركة.
المصادر:
islamqa