المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

كآبة “كورونا” تنال من كبار السن.. والبحث عن لحظات الفرح طريق للصمود

عمان- أزمة كورونا أفقدت الجميع كبارا وصغارا الكثير من راحتهم وأمانهم، وألقت بتبعاتها القاسية المرهقة على كل بيت. أشهر عدة مرت وما تزال هذه الجائحة “هما” يؤرق المسن والطفل والأب والأم الجميع على اختلاف أعمارهم وأحوالهم.
وكبار السن هم أكثر المتضررين في هذه الأزمة نفسيا وجسديا، وبحاجة ماسة لتفاصيل ولحظات تعيد إليهم الأمل بالحياة وتخرجهم من تلك الضغوطات التي باتت سببا في قلقهم وألمهم وخوفهم على أنفسهم وعلى من حولهم. ولكونهم أكثر تأثرا بهذا الفيروس، فمن الطبيعي أن يزداد الاهتمام بهم والحرص على صحتهم، وذلك بإبعادهم تماما عن التجمعات وبؤر العدوى وإبقائهم في مأمن من كل تلك الظروف “المقلقة”.
الأربعينية إيمان سالم تبذل كل ما بوسعها من أجل أن تجعل والدتها سعيدة، وتحديدا في مثل هذه الظروف الصعبة، وتزايد إصابات كورونا، تقول استثنائية الوضع الحالي وغرابته تدفعنا جميعا للاهتمام ببعضنا بعضا، وأمام كل الأخبار السيئة المرافقة للأزمة والضغوطات الكبيرة نجد أنفسنا بحاجة لأن نكون قريبين ممن نحبهم أكثر من أي وقت مضى. مشيرة إلى أن الوالدين هما أولى الناس برعايتنا واهتمامنا ومحبتنا.
هي عن نفسها تحاول أن تخلق لوالدتها المسنة أجواء مفرحة ومسلية، وذلك ضمن إجراءات وقائية مشددة حرصا على سلامتها، وحتى تبقى بصحة جيدة.
وتبين أنها ورغم صعوبة الخروج إلى الأماكن العامة تجاهد من أجل أن تصنع تفاصيل سعيدة في حياة والدتها داخل المنزل وكون والدتها تحب الأماكن المفتوحة تتعمد هي أن ترتب مع أبنائها تلك الجلسات الممتعة في حديقة منزلها، وإعداد أكثر المأكولات المفضلة لها، إضافة إلى إعطائها مساحة كافية، لكي تتحدث عن كل ما تشعر به وأيضا عن ذكرياتها القديمة والإنصات لها بحب، والتفاعل معها دون ملل أو انزعاج، ومشاركتها تلك المشاعر وحالة الحنين التي تمر بها محاولة منهم لإسعادها وإدخال الطمأنينة إلى قلبها.
وتتحدث العشرينية رند عن الوقت الممتع الذي تقضيه مع جدها وجدتها وقربها منهما، فتقول، سعادة كبيرة لا تستطيع وصفها تتسلل إلى قلبها عندما تتمكن من رسم بسمة حقيقية على وجه جديها، والتخفيف من مشاعر الحزن والوحدة والقلق التي تنتابهما رغما عنهما نتيجة أزمة كورونا وأخبار الموت المنتشرة هنا وهناك وإصابة الجميع بالكآبة والإحباط كلما طالت المدة وساء الوضع وتضاعف عدد الإصابات. موضحة أنها تحب كثيرا أن تقيم عندهما وتشاركهما كل اللحظات.
وتضيف انها تسعى باستمرار لإضفاء أجواء من المرح والضحك، وذلك من خلال التحدث معهما ومشاهدة البرامج المفضلة لهما، والاستماع لمقارناتهم بين اليوم والأمس، وتقبل كل ما يقولانه بتفهم واحترام، وكذلك أخذ رأيهما في أمورها الشخصية.
وتؤكد أن من حق كبار السن علينا أن نبادلهم الحب والاهتمام والحنان وإمدادهم بكل المشاعر الحقيقية التي ترفع من مقاومتهم وتمسكهم بالحياة فهم يقدمون لنا الكثير. العطاء عندهم غير مشروط لا يتوقف، لذا لا بد من احتوائهم ومساندتهم في كل الأوقات ومهما كانت الظروف.
ويرى الأخصائي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان أن الإنسان يمر بمراحل عمرية مختلفة من الطفولة والمراهقة والشباب إلى الشيخوخة. حيث يصل الإنسان إلى مرحلة متقدمة من العمر. وقد خلق الله تعالى الإنسان وجعله في أحسن تقويم، فالأبوان يقومان على رعاية الأبناء منذ مرحلة الحمل حتى الكبر. رعاية صحية واجتماعية وتعليمية. ويبذلون في سبيل ذلك جهودا كبيرة ومع تقدم الإنسان في العمر فإنه يحتاج إلى رعاية واهتمام خاصين وذلك نظرا للتغيرات الصحية والنفسية والاجتماعية التي تؤثر عليه. وهذه مسؤولية الأبناء والأحفاد بالدرجة الأولى.
ونحن نعيش في مجتمع يتميز بدرجة عالية من التكافل. والاهتمام بكبار السن واجب شرعي واجتماعي وأخلاقي وهو مقياس لانضباط الأمة الأخلاقي. وفق سرحان، ومن حق كبار السن أن يحظوا بالاهتمام والرعاية. ولا يشعرون أنهم عالة على الأبناء والأحفاد والأسرة والمجتمع. بل انهم جزء أساسي من الحياة الأسرية. ولا يشعرون بالنقص أو أنهم ليسوا موضع اهتمام المجتمع. أو يشعرون بالعزلة وعدم الاهتمام.
ويذكر سرحان، ومن مظاهر التقدير لكبار السن تقديمهم في المجالس والمناسبات. فيكون لهم صدر المجلس. وأن تقدم لهم الضيافة أولا، ويستمع لهم بإنصات عندما يتحدثون. وأن يعاملوا باحترام كبير وتوفير. وكبار السن غالبا ما يتصفون بالحساسية الزائدة والإعجاب بالماضي، وتكرار الحديث عنه بكل تفاصيله، مما يتطلب من الجميع الإنصات لهم وعدم أشعارهم بالملل من تكرار الحديث أو إظهار التذمر.
وكبار السن يمتلكون من الخبرات الشيء الكثير، كما يتصفون غالبا بالحكمة وعمق التجربة، وهي صفات بحاجة إليها الأبناء والأحفاد للاستفادة منها في حياتهم. وإن الزمان والظرف. فالتجارب الشخصية مهمة هي حصيلة عشرات السنين. وإدراك الأبناء والأحفاد والمجتمع لهذه الحقائق يجعلهم يصغون لهم ويستفيدون مما لديهم من كنوز ثمينة. بحسب سرحان
ويضيف، واحتياجات كبير السن ليست مادية فقط، وإنما هنالك احتياجات في الجانب المعنوي وهو مهم جدا، وجوانب نفسية، فهو ربما يشعر بشيء من الخوف والقلق والاكتئاب على مستقبله، خصوصا إذا ترك وحيداً لفترات طويلة. أو عندما يعاني أمراضا مزمنة.
ويلفت سرحان إلى أنه ومع انتشار وباء كورونا أصبح الاهتمام بكبار السن أكثر إلحاحا، حيث يشير أهل الاختصاص الى أن خطورة هذا الوباء على كبار السن أكثر منه على غيرهم من الفئات خصوصا المرضى منهم. مما جعل الأبناء أكثر حرصا على آبائهم وأمهاتهم، خوفا عليهم. وحرصا على البر بهم وكسب رضا الله تعالى.
ويؤكد هذه من الميزات الحميدة لمجتمعنا الأردني، في حين أن مجتمعات أخرى يعاني فيها كبار السن العزلة في الملاجئ، ودور رعاية المسنين، حيث يفتقدون الصلة بأبنائهم في تنكر لأبسط حقوقهم، وعقوق أبناء لا يعرفون الرحمة، ومجتمع مادي غابت فيه القيم.
ويضيف، انتشار كورونا يتطلب بقاء كبار السن في المنازل، وهو ما كان لهذه آثار نفسية سلبية، مما يضاعف مسؤولية الأبناء والأحفاد والمحيطين بهم. حيث حاجة الإنسان إلى الابتعاد عن الروتين، وحاجته إلى الترفيه، والتعامل مع الآخرين.
ويوضح، هنا ضرورة الموازنة بين الحرص على عدم انتقال العدوى لهم، والإبقاء على حيويتهم ونشاطهم وعدم شعورهم بالإحباط أو الملل، وهي معادلة دقيقة. فالخروج من المنزل يجب أن يحاط بالإجراءات الصحية الوقائية، وأن يكون في دائرة ضيقة من حيث أعداد المتعاملين، بعد التأكد من عدم إصابتهم بالعدوى. وإبعادهم عن أماكن التجمعات وخصوصا المناسبات الاجتماعية التي يصعب فيها تحقيق التباعد الجسدي. والتي كانت تعد بيئة مفضلة لكبار السن حيث يجالسون أعدادا كبيرة من أبناء البلدة والأصدقاء وغيرهم.
ويضيف، وهي وإن كانت مناسبات اجتماعية إلا أنها وسيلة ترفيه وتسلية وتواصل مع المجتمع، ترفع من معنوياتهم وتؤكد أهميتهم ودورهم في المجتمع. وفي هذه الظروف الطارئة فإن الجميع وخصوصا كبار السن بحاجة إلى الترفيه وإن كان بأشكال مختلفة تراعي المتطلبات الوقائية، وفي مقدمتها التباعد الجسدي وارتداء الكمامات. فالزيارات الدائمة من الأبناء والأحفاد لهم، وعدم بقائهم في عزلة عن الأسرة، وإدامة الحوار معهم والاستماع إلى أحاديثهم وآرائهم. أو الذهاب في رحلات أو الخروج للتنزه مع الالتزام بالضوابط الوقائية أمور ضرورية خصوصا مع استمرار انتشار الوباء.
ويضيف، كما أن توفير وسائل الاتصالات لهم وتدريبهم على استعمالها يعد وسيلة مهمة من وسائل التواصل مع الأسرة والأصدقاء والأقارب، ويبقيهم على اطلاع على أخبار الجميع، وهي في الوقت نفسه وسائل للتسلية والترفية، خصوصا أنها توفر الاتصال الصوتي والمرئي ومع الجميع. كما يمكن الاستفادة منها في مشاهدة مقاطع الفيديو والرسائل الصوتية والمكالمات الجماعية والبرامج المتعددة.
ويرى الأخصائي النفسي موسى مطارنة أن زمن كورونا ألقى بظلاله على الشيوخ والأطفال والشباب والنساء والرجال وعلى العالم بأسره، لكن تأثر كبار السن كان أكبر وأشد وطأة، لكونهم يعيشون بوحدة نتيجة تقدمهم في العمر وزواج أبنائهم وابتعادهم عنهم بسبب مشاغل الحياة، لذا هم بحاجة كبيرة لإضفاء أجواء من السعادة والأمان وإشعارهم بأهميتهم وبمحبة الجميع لهم حتى يتمكنوا من التخلص من مشاعر الكآبة والقلق.
ويلفت مطارنة إلى أن الطرق التي تدخل البهجة لقلوب كبار السن كثيرة ومتنوعة، وكلها يجب أن تكون ضمن إجراءات وقائية مشددة.
ويلفت إلى أن الأبناء والأحفاد شركاء في تحقيق ذلك من خلال إخراجهم إلى أماكن آمنة وإشراكهم بالأنشطة الأسرية. كما أنه من الممكن ترتيب لقاءات دافئة ومسلية مع أصدقاء العمر ومنحهم الوقت ليتحدثوا عن ذكرياتهم ومشاعرهم، وكل ما يثير أحاسيسهم تجاه الماضي وفتح حوارات ممتعة معهم وأخذ آرائهم على محمل الجد والأهمية.
إلى جانب اصطحابهم إلى أماكن يحبونها وتذكيرهم بها، وإعطائهم الفرصة للجلوس وسط الطبيعة في الهواء الطلق، وفق مطارنة، لأن ذلك حتما يجدد من طاقتهم، وبالتالي تتحسن نفسيتهم، وينعكس ذلك على صحتهم الجسدية، فيصبحون أكثر سعادة وتفاؤلا.

المصدر : الغد 

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022