مركز بعين السبع يقدم خدمات طبية مجانية لكبار السن في ظروف نموذجيةلن نبالغ إذا وصفنا مؤسسة أمل المسنين في عين السبع بالبيضاء، بمركز رعاية من “خمس نجوم”، فكل ما يحويه من بنيات تحتية وتجهيزات وخدمات طبية مجانية، يجعل منه جنة لشيوخ هربوا من الوحدة وعانوا مرارة العيش بعيدا عن الأبناء. “الصباح” قامت بزيارة لهذا المركز، التابع لمؤسسة أمل لمساعدة مرضى القصور الكلوي والأعمال الاجتماعية، كي تطلعكم على مختلف مكوناته وخدماته الاجتماعية، وتقربكم من واقع عيش هذه الفئة المهمشة من المجتمع.
غير بعيد عن السجن المحلي “عكاشة” بالعاصمة الاقتصادية، يتموقع مركز أمل لرعاية الأشخاص المسنين، الذي دشنه جلالة الملك محمد السادس في 3 أكتوبر 2014، في إطار برنامج محاربة الهشاشة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بشراكة مع مؤسسة أمل لمساعدة مرضى القصور الكلوي والأعمال الاجتماعية.
“على حقو وطريقو”
عند مدخل هذه المؤسسة الاجتماعية، صادفت “الصباح” مسنة في عقدها السبعين وهي تهم بالخروج للتنزه على كرسيها المتحرك، فتوقفت لإلقاء التحية ببشاشة ثم استأذنتنا لإكمال فسحتها في محيط المركز الهادئ، بينما استكملنا جولتنا في أجنحة ومرافق المؤسسة.
كانت الساعة تشير إلى الرابعة زوالا، حينما أخذتنا المنسقة الإدارية للمركز في جولة داخل مرافقه، بما فيها غرف النوم المؤثثة والمجهزة بمراحيض فردية، وصالة الرياضة الواسعة كاملة التجهيزات، والعيادات الطبية متعددة الاختصاصات، بأطر مداومة، والمطبخ المخصص لتهييء الوجبات، ثم الحديقة والصالونات المغربية التي توحي وكأنك في ضيافة بيت مغربي “على حقو وطريقو”.
براءة مغتالة
داخل أحد الصالونات الموجودة في الطابق الأرضي، والمخصصة للرجال، يستلقي شيخان تحمل تقاسيم وجهيهما طمأنينة محبوكة في تجاعيد الزمن، وهما يدردشان حول مجريات مسلسل يتابعانه على تلفاز معلق في وسط الغرفة.
ولعل المثير في الأمر، أن جميع نزلاء المركز يقفزون فرحا عند رؤية زوار جدد، ويطلقون العنان لبراءتهم التي اغتالتها قساوة الحياة، فيبادرون للحديث مع الغرباء والترحيب بهم في فضائهم الخاص و”بيتهم الثاني”، إذ قال لنا أحدهم إنه لا يمل من الحديث إلى رفقائه وينتظر الصبح بفارغ الصبر للعودة إلى أحضانهم بالمركز، مشيرا إلى أنه يشعر بالغبن كلما حان وقت العودة إلى بيته في المساء، لأنه يجد نفسه وحيدا مرة أخرى، لا أنيس له ولا معيل.
وكغيرها من النزلاء، الذين يفضل بعضهم الاستلقاء بغرفته بعد تناول وجبة اللمجة، بينما يجتمع البعض الآخر بفضاء الحديقة للاستمتاع بالجو العليل والهواء المنعش، تحكي لنا نزيلة في عقدها السبعين، وهي تدردش مع صديقتها بغرفتهما، عن معاناة الوحدة وضيق اليد التي أنقذها المركز من براثينهما، قاسما مشتركا بينها وبين جميع من وجدوا في هذه المؤسسة راحة من غدر الزمان وقساوة المجتمع.
والحقيقة أن الإنسان في أرذل العمر، يصير أكثر ضعفا وأحاسيسه أكثر شفافية حيث يصعب إخفاؤها، فلا المكان يمكنه حمل هموم الكبار ولا السن يمكنه أن يعيد إليهم أحلام البدايات الأولى، ما يدفع بعض النزلاء المتقدمين في السن إلى الانزواء في غرفهم المزينة بصور أقاربهم أو أبنائهم، بغرض إخفاء حزن دفين أو استرجاع ذكريات أليمة أو سعيدة، بعيدا عن هرج الحياة.
أرذل العمر
لعل ما يميز مركز أمل لرعاية الأشخاص المسنين، ويجعله الأول من نوعه في المغرب، مقاربته الخاصة بتقديم الرعاية الاجتماعية والطبية لهذه الفئة من المجتمع، دون إيوائهم كما هو الحال بالنسبة لباقي دور العجزة، ذلك أن تصور رئيس المركز يقوم على توفير فضاء يقضون فيه يومهم، ويجدون فيه راحتهم بعيدا عن ضوضاء ومشاغل الحياة، دون عزلهم أو إحداث قطيعة مع محيطهم الذي يعيشون به ويحتفظون فيه بكل تفاصيل ماضيهم، على اعتبار أنهم يتشبثون بالماضي والذكريات التي تساهم في استمرار العيش. ويوضح فوزي مصطفى، رئيس مؤسسة أمل لمساعدة مرضى القصور الكلوي والأعمال الاجتماعية، في حديثه مع “الصباح”، أن مركزه يستقبل وافدين متحدرين من أوساط معوزة، ممن تفوق أعمارهم 60 سنة، دون ميز جغرافي، ويقدم خدماته لهم مجانا، بما فيها خدمة النقل من بيوتهم صباحا ومساء، مشيرا إلى أن طاقته الاستيعابية تصل إلى 120 شخصا، لكنه يضم حاليا 48 شخصا فقط، بيد أن بعضهم قد توفوا أو توقفوا عن المجيء لأسباب شخصية.
ويضيف المتحدث ذاته، أن نزلاء مركز أمل يستفيدون من رحلات منظمة بين الفينة والأخرى، وعمرات وأنشطة متنوعة تنظمها المؤسسة بما تملكه من إمكانيات، وأخرى بشراكة مع جمعيات ومدارس عليا، خاصة في الأعياد والمناسبات الوطنية، بالإضافة إلى التكفل الصحي عند إجراء العمليات الجراحية بشراكة مع بعض المصحات الخاصة، مشيرا إلى أن المؤسسة تخصص جزءا من ميزانية مراكز علاج مرضى القصور الكلوي التابعة لها، كي تغطي حاجيات هذا المركز، إلى جانب دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بيد أن الجهات المسؤولة عن تقديم الدعم للجمعيات، تلقي بالا للمجهود الجبار المبذول من قبل هذا المركز “الذي يحتذى به”.
المصدر : جريدة الصباح