المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

كبار السن.. ما لهم وما علينا

فيما تكتفي الدراسات السكانية بالنظر إلى الشيخوخة وكأنها مجرد مشكلة اقتصادية، وهو ما نتلمسه عادة في التقارير التي لا ترى في كبار السن إلا مستهلكين لا ينتجون، اعتمدت الأمم المتحدة اليوم الأول من أكتوبر من كل عام ليكون يوماً عالمياً للاحتفال بكبار السنّ، وذلك في مبادرة يغلب فيها البُعد الأخلاقي على الاعتبارات الاقتصادية، وترتقي بهذه القضية إلى مستوى يضعها ضمن حقوق الإنسان التي يتوجب حمايتها قانوناً حيثما يكون هناك تقصير في ذلك.

MJD_5944 due

تكاثر كبار السنّ.. وتعاظم المسؤوليات تجاههم
المسنّون على تكاثر، وواجبهم على تعاظم. وليس من شك في أن من حق البشرية أن تغتبط لتقدّم الخدمات الصحية وعلوم الطب والجراحة وصناعة الدواء، إذ كان من ثمار هذا التقدم أن ارتفعت معدّلات عمر الإنسان ارتفاعاً مطّرداً، حتى في البلدان الفقيرة منالعالم.

فقديماً، كان الرجل متى تخطّى الأربعين من عمره، صُنِّف في الجيل الثالث، جيل الشيوخ الذين قد يُستفاد في أحسن الأحوال من حكمتهم وحلمهم، لكن أمر الاستفادة من عملهم ونشاطهم المهني وخبرتهم العملية وقدراتهم الجسدية أمر آخر. وفي أواسط القرن العشرين، اتُّفِق في كثير من دول العالم على أن سن التقاعد في الوظائف، هي الستّون. أما اليوم فقد رفعت كثير من الدول سن التقاعد إلى الخامسة والستين، فيما أُعفيت بعض المهن، كالفنون والبحث العلمي والتعليم الجامعي، من هذا الحدّ العمري. وصار بلوغ سن الثمانين أمراً لا يثير الدهشة والاستغراب، بل إن في بعض البلدان المتقدمة أعداداً متزايدة، ممن تخطوا المئة عام، يكوّنون شريحة متعاظمة من شرائح هرم الأعمار.

لكن المشكلة هي في أن المرء، مهما كان سليم البنية مكتمل الصحة، سيتوقف يوماً ما عن العمل، ليرتزق من صناديق الشيخوخة أو راتب تقاعده أو تعويض نهاية خدمته، أو قد يصبح «عالة» اقتصادية واجتماعية على أولاده، أو مجتمعه، وربّما يُهمَل تماماً فيبلغ من البؤس منتهاه. وقد ظهرت في الدول المتقدِّمة، وحتى في عدد من الدول النامية، مشكلة عدم التوازن بين مداخيل صناديق الشيخوخة ومدّخرات التقاعد، وبين النفقات المتزايدة بفعل تزايد عدد المعمَّرين، وحاجتهم المتعاظمة إلى الخدمات الطبية وغيرها. فتحوّلت نعمة التطور الطبي، إلى مصدر لمتاعب اقتصادية، لا تنذر فقط بحدوث اضطراب في معايير المحاسبة المالية، بل قد تفضي في كثير الحالات إلى تقليص الموارد الضرورية للإنفاق على المسنّين، في آخر مراحل عمرهم، فيتحوّل طول العمر من سبب للاغتباط والسعادة، إلى مصدر للبؤس والمتاعب.

من ناحية أخرى، أثبتت دراسات متخصصة في العلوم الاجتماعية، أن التقاعد يؤثر في التوافق الاجتماعي لدى المسنّين، ما لم يتمكنوا من تعويض انتهاء خدمتهم بنشاط عملي متنوّع يتناسب وحالهم الفكرية والثقافية والاجتماعية ومؤهلاتهم المهنية. فهذا النشاط الذي يمارسونه في أوقات فراغهم، وهي وفيرة بعد التقاعد، يساعدهم على الإحساس بأن قيمتهم مصونة، ما دام ثمة حاجة إليهم، ضمن العائلة أو المجتمع.

وليس من شك، كما يدل علم الاجتماع، في أن المنزل والمجتمع الذي عاش فيه المسنّ، قبل التقاعد، هو المكان الأنسب لعيشه في تقاعده. ولذا ينبغي أن تتضافر جميع الجهود العائلية والرسمية والتطوعية، في المؤسسات العامة والأهلية على السواء، من أجل إبقاء المسنّين أطول مدّة ممكنة في منزلهم الأول، وفي المجتمع الذي شاخوا في كنفه.

فمن الأخطاء الشائعة في التفكير العام عند الحديث عن المتقدّمين في السنّ، أن تُحصَر مشكلتهم بالنواحي الصحية الخالصة. صحيح أنهم معرّضون أكثر من الشبّان للأمراض المزمنة والمتاعب الصحية المختلفة، لكن العلوم، مع تقدُّمها، تثبت أكثر فأكثر، أن الحالة النفسية السيئة التي قد يعانيها المسنّ، إنما تُفاقم هذه الأمراض، إن لم تكن من أهم أسبابها.

هرم الأعمار وأهميته
هرم الأعمار هو رسم بياني يمثل توزيع السكان حسب الجنس وحسب فئات الأعمار (في شرائح متصاعدة، فالأطفال في قاعدة الهرم، والشيوخ في أعلاه).
يتميّز هرم الأعمار في الدول النامية بقاعدة عريضة تمثل غلبة فئة الأطفال والشباب على فئات المتقدمين في السن، بفعل ارتفاع وتيرة التكاثر الطبيعي. وتُحسَب هذه الوتيرة بالفرق بين عدد الولادات وعدد الوَفِّيَات، في كل ألف شخص من السكان.
أما هرم الأعمار في الدول الصناعية المتقدّمة فيتميّز بكبر حجم فئة الأعمار المتوسطة وارتفاع نسبة الشيوخ. وسبب ذلك انخفاض نسبة التكاثر الطبيعي بفعل اعتماد سياسة تحديد النسل.
ولا تكتفي الدول عادة في إحصاءاتها الاقتصادية بهرم الأعمار وحده، لتعيين وضعها السكاني (الديموغرافي) بل تستند أيضاً إلى احتساب الفئات الناشطة والفئات غير الناشطة في المجتمع. ففي الإحصاءات، تشمل الفئات الناشطة الأفراد البالغين سن العمل (بين 15 سنة، و60 أو 65 سنة). وتنقسم فئة السكان الناشطين إلى سكان ناشطين يعملون، وسكان ناشطين عاطلين عن العمل. أما الفئة غير الناشطة، فتشمل الأطفال والتلاميذ والطلاب وربات البيوت والمتقاعدين المسنّين وذوي الحاجات الخاصة.
إن نسبة النشاط في الدول الصناعية المتقدمة (لا سيما دول الشمال والغرب) أعلى من النسبة في الدول النامية (دول الجنوب والعالم الثالث)، لأن في دول الجنوب نسبة أكبر من الأطفال وربّات البيوت.
وتهتم الأبحاث الاقتصادية والتنموية في البلاد المتطورة بهرم الأعمار، لأنه يبيّن بصورة مبسطة ونظرة واحدة، إذا كانت البلاد «فتية» أم أنها «تشيخ». فلهذا الشأن علاقة بوتيرة النمو الاقتصادي. ولذا يشجعون الهجرة الوافدة، ولا سيما الشبّان، حين يخشون هذه «الشيخوخة».

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022