حين يصاب المسنون بفيروس كورونا المستجد فإنهم يكونون أكثر عرضة للوفاة مقارنة بمن تقل أعمارهم عن الأربعين، وفق ما تؤكده بيانات صحية.
ويبدو هذا الأمر مفهوما أو بديهيا، من الناحية الصحية، لأن المسنين يشكلون النسبة الأكبر من المصابين بأمراض مثل السكري وضغط الدم واضطرابات الرئة.
لكن بعض العلماء ينبهون إلى عامل صحي آخر يزيد من عرضة الشخص المسن للمضاعفات عند الإصابة بالعدوى، وهو شيخوخة الجهاز المناعي لدى الإنسان.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” فإن خلايا جهاز المناعة لدى الإنسان تشهد تغيرا كبيرا مع مرور عقود من الزمن، فتصبح على درجة كبيرة من التعقيد.
وبسبب هذه التغييرات، يتجاوب الجهاز المناعي لدى الشخص المسن، على نحو غير متناسب، فإما أنه يبالغ في التصدي للعدوى، فيؤدي إلى عدد كبير من التهابات، أو أنه يتأخر كثيرا عن التفاعل مع الخطر المحدق بالجسم مثل دخول الفيروس، وعندئذ، يصبح الطريق سالكا أمام المرض.
ويقول الباحثون الذين يدرسون شيخوخة الجهاز المناعي، إن فهم هذه التغيرات لن يساعد فقط على فهم تأثير العمر، بل سيعين أيضا على وضع سياسات أفضل في مجال لقاحات وأدوية مرض “كوفيد 19” مستقبلا.
وتمت الإشارة إلى دور شيخوخة الجهاز المناعي في دراسة منشورة بمجلة “ساينس”، وشارك فيها الباحث المختص في علم المناعة بكلية لندن الجامعية، آرني أكبر.
تغيرات مضرة
ولفهم ما يحصل، لا بد من الإشارة إلى أنه حينما يتمكن فيروس ما من اختراق جسم الإنسان، فإن الخلايا تكون في الصفوف الأمامية لمواجهته، إما بشكل طفيف أو بشدة.
ولا تكتفي الخلايا الأولى بهذا الدور، بل تقوم أيضا بإخطار الخلايا الأخرى حتى تكون في أهبة الاستعداد لمقاومة “العدو الخارجي”، وحين يحصل هذا التجاوب، يقع الالتهاب من أجل التغلب على العدوى.
وفي هذه اللحظة، يقوم ما يعرف بـ”الجهاز المناعي الفطري وغير المتخصص” بالمساهمة في التصدي للعدوى، عبر التخلص من الخلايا المتضررة والبروتينات التي لا تستطيع أداء مهامها، وتستمر هذه المهمة حتى عندما يكون الجسم خاليا من الفيروس.
أما في حالة الأشخاص المسنين، فإن الجهاز المناعي يصبح غير قادر على التخلص من هذه “الفضلات” لأن حجمها يزداد على نحو ملحوظ، بحسب ما يشرحه الباحث المختص في علم المناعة، إريك فيردين.
ويضيف الخبراء أنه حينما يتقدم الإنسان في العمر فإن ما يعرف بـ”الجهاز المناعي الفطري غير المتخصص” يصبح في حالة متواصلة من التأهب والالتهاب تجاه العدوى الخارجية، وهذا التجاوب غير مفيد صحيا.
وإلى جانب ذلك، تقوم الخلايا المسنة في أنسجة الجسم بإفراز مواد الالتهاب، من تلقاء نفسها، والسبب هو أنها تشهد تغيرا كبيرا مع مرور العمر.
ولهذا السبب، فالشخص الذي يزيد عمره عن 65 سنة، يكون جسمه غالبا ما يضم مستوى أعلى من بروتينات الجهاز المناعي مثل “السيتوكين” المسؤولة عن الالتهاب.
وتوجد هذه البروتينات المتعلقة بالجهاز المناعي، على نحو أكبر لدى المسنين، مقارنة بالشباب، وهذا العامل يزيد من اضطرابات الصحة لدى هذه الفئة.
وتؤدي هذه التحولات إلى إرباك الرسائل التي يبعث بها الجهاز المناعي من أجل التصدي للمرض، وهو ما يؤدي إلى عدم وصولها للهدف المرغوب.