المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

صعوبات النوم عند كبار السن | الأسباب تمنع الراحة الليلية

النوم عند كبار السن

النوم عند كبار السن من أكثر الجوانب الصحية التي تشهد تغيرًا ملحوظًا مع التقدم في العمر، وغالبًا ما يصبح محط شكوى متكررة بين من تجاوزوا سن الستين. فبينما كان النوم يأتي بسهولة في مراحل الشباب، تبدأ أنماط النوم بالاضطراب تدريجيًا عند التقدم في السن، لتظهر مشكلات كصعوبة الاستغراق في النوم، الاستيقاظ المتكرر ليلاً، أو حتى الاستيقاظ المبكر دون القدرة على العودة للنوم. وهذه الصعوبات لا تقتصر على الإزعاج فقط، بل تؤثر بشكل مباشر على الصحة الجسدية والنفسية لكبار السن، وتؤدي إلى شعور دائم بالإرهاق، ضعف التركيز، وزيادة مخاطر السقوط أو التدهور المعرفي.

من اللافت أن الكثير من الناس يعتقدون أن قلة النوم أو تدهوره مع التقدم في العمر أمر طبيعي لا يستدعي القلق، لكن هذا المفهوم خاطئ؛ فالنوم الجيد ضروري في جميع مراحل الحياة، وخصوصًا في مرحلة الشيخوخة حيث يحتاج الجسم إلى الراحة من أجل دعم جهاز المناعة، وتجديد الخلايا، والحفاظ على التوازن الهرموني والنفسي. وتشير الدراسات إلى أن التغيرات البيولوجية المرتبطة بالشيخوخة، إضافة إلى بعض الحالات الطبية المزمنة مثل التهاب المفاصل، مشاكل المثانة، أو أمراض القلب، تلعب دورًا كبيرًا في إعاقة النوم المريح لدى كبار السن.

كما أن العوامل النفسية مثل القلق، الشعور بالوحدة، أو الاكتئاب تزيد من حدة اضطرابات النوم. وحتى العادات اليومية مثل قلة النشاط الجسدي، أو الاستخدام المفرط للشاشات في الليل قد تسهم في تفاقم المشكلة. لذا فإن فهم الأسباب الكامنة وراء صعوبات النوم عند كبار السن يمثل الخطوة الأولى نحو تقديم رعاية صحية شاملة، وتحسين نوعية الحياة في هذه المرحلة العمرية الهامة.

تغيرات النوم عند كبار السن: ماذا يحدث للجسم مع التقدم في العمر؟

تتغير طبيعة النوم بمرور الوقت، خاصة بعد عمر الستين، حيث تبدأ مراحل النوم العميق بالانخفاض تدريجيًا، ويصبح الاستيقاظ الليلي أكثر تكرارًا. تشمل التغيرات ما يلي:

  • انخفاض في إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم دورة النوم.

  • تقصير فترة النوم الليلية وزيادة الحاجة إلى قيلولات نهارية.

  • انخفاض في عدد ساعات النوم العميق (الموجات البطيئة).

  • الاستيقاظ المبكر وصعوبة العودة للنوم.

هذه التغيرات تؤدي إلى إحساس مستمر بالتعب خلال النهار، وتؤثر على القدرة الإدراكية والمزاج.

الأسباب الجسدية لصعوبات النوم عند كبار السن

1. الألم المزمن وتأثيره على النوم عند كبار السن

يعاني كبار السن من أمراض مزمنة مثل التهاب المفاصل، هشاشة العظام، وآلام الظهر، وهي مشاكل تجعل الاستلقاء في السرير تجربة غير مريحة. الألم الليلي المتكرر يؤدي إلى استيقاظ متكرر وتقطع في دورات النوم.

2. اضطرابات التنفس والنوم عند كبار السن

انقطاع النفس النومي (Sleep Apnea) من الاضطرابات الشائعة، حيث يتوقف التنفس مؤقتًا أثناء النوم، مما يسبب استيقاظًا مفاجئًا قد لا يشعر به الشخص. هذه المشكلة تؤثر على جودة النوم وقد ترتبط بمشكلات في القلب وضغط الدم.

3. مشاكل الجهاز البولي وتأثيرها على النوم عند كبار السن

تضخم البروستاتا لدى الرجال أو فرط نشاط المثانة لدى النساء يؤدي إلى الحاجة المتكررة للتبول ليلاً، وهي من أبرز أسباب الاستيقاظ المتكرر، خصوصًا إذا كانت مصحوبة بعدم القدرة على العودة للنوم.

الأسباب النفسية التي تؤثر على النوم عند كبار السن

1. القلق والتوتر العاطفي

يتعرض كبار السن لضغوط نفسية نتيجة فقدان شريك الحياة، تغير الأدوار الأسرية، أو القلق من المستقبل، ما يؤثر سلبًا على النوم. التفكير المستمر في أحداث اليوم أو المستقبل يعطل الاسترخاء الضروري للنوم.

2. الاكتئاب واضطراب النوم عند كبار السن

الارتباط بين الاكتئاب واضطراب النوم واضح. الشخص المكتئب يعاني من صعوبة في النوم، أو يستيقظ مبكرًا دون رغبة في مواصلة اليوم. الاكتئاب قد يكون صامتًا عند كبار السن لكنه يظهر في شكل أرق متكرر وإرهاق مزمن.

3. الشعور بالوحدة

العزلة الاجتماعية من أكثر العوامل النفسية تأثيرًا على النوم عند كبار السن، خاصة مع فقدان العلاقات الاجتماعية أو انتقال الأبناء للعيش بعيدًا. الوحدة تؤدي إلى فرط التفكير ليلاً ومزاج مكتئب يعوق النوم المريح.

العوامل البيئية والسلوكية التي تعيق النوم عند كبار السن

1. بيئة النوم غير المريحة

الإضاءة الزائدة، الضوضاء، أو درجة حرارة الغرفة قد تؤدي إلى اضطراب النوم. عدم توفر بيئة مناسبة للنوم من أهم الأسباب التي تؤثر على جودة النوم.

2. قلة النشاط البدني

الحركة ضرورية لتحفيز النوم الليلي. قلة المشي أو ممارسة التمارين تؤدي إلى انخفاض النشاط الجسدي المطلوب لإرهاق الجسم بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى الأرق.

3. العادات الغذائية والمشروبات المنبهة

تناول وجبات دسمة قبل النوم، أو الإكثار من الكافيين خلال النهار يؤثر على النوم عند كبار السن. الكافيين يمكن أن يبقى في الجسم لساعات، ما يصعب الاستغراق في النوم ليلاً.

الأمراض المرتبطة باضطرابات النوم عند كبار السن

1. الزهايمر والخرف وتأثيرهما على النوم

مرض الزهايمر يؤدي إلى اضطراب كبير في الساعة البيولوجية، وقد يتجول المريض ليلاً ويكون نشطًا في أوقات غير طبيعية. يُعرف هذا النمط بـ “متلازمة الغروب”.

2. داء السكري واضطراب النوم

يتسبب السكري في كثرة التبول، آلام في القدمين، أو حتى نوبات نقص السكر أثناء النوم، وكلها تؤثر على النوم عند كبار السن.

3. أمراض القلب والرئة

ضيق التنفس أو تذبذب الدورة الدموية نتيجة أمراض القلب والرئة يؤدي إلى صعوبات في النوم، خاصة عند الاستلقاء.

الأدوية وتأثيرها على النوم عند كبار السن

1. أدوية الضغط والقلب

بعض أدوية الضغط تؤثر على النوم، إما بسبب إدرار البول أو بسبب تأثيرها على الجهاز العصبي المركزي.

2. مضادات الاكتئاب

قد تسبب بعض مضادات الاكتئاب أرقًا أو أحلامًا مزعجة تؤثر على النوم المريح.

3. أدوية البرد والحساسية

مضادات الهستامين، خاصة الجيل الأول، قد تسبب النعاس في البداية لكنها تضعف جودة النوم العميق.

أهمية النوم الجيد لصحة كبار السن

النوم عند كبار السن الجيد مرتبط بما يلي:

  • تعزيز الوظائف المعرفية والذاكرة.

  • تقوية الجهاز المناعي.

  • الحفاظ على المزاج وتقليل خطر الاكتئاب.

  • تحسين التوازن الجسدي وتقليل فرص السقوط.

  • تقليل الالتهاب وأعراض الأمراض المزمنة.

حلول فعالة لتحسين النوم عند كبار السن دون أدوية

1. تعديل روتين النوم

  • الذهاب إلى النوم والاستيقاظ في نفس التوقيت يوميًا.

  • تقليل القيلولة النهارية.

  • الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية قبل النوم.

2. العناية ببيئة النوم

  • استخدام ستائر تعتم الغرفة.

  • الحفاظ على درجة حرارة مريحة.

  • توفير فراش ومخدة مريحة للظهر والمفاصل.

3. النشاط البدني المعتدل

  • المشي لمدة 30 دقيقة يوميًا.

  • ممارسة تمارين التمدد أو اليوغا الخفيفة.

  • التعرض للشمس لتحفيز إنتاج الميلاتونين.

4. العلاج السلوكي المعرفي (CBT-I)

العلاج السلوكي يساعد على تحديد أنماط التفكير السلبية المرتبطة بالنوم وتغييرها تدريجيًا، وهو فعال أكثر من الحبوب المنومة على المدى الطويل.

النوم عند كبار السن

متى يجب زيارة الطبيب بسبب اضطرابات النوم عند كبار السن؟

يُنصح بمراجعة الطبيب في الحالات التالية:

  • الاستيقاظ المتكرر لأكثر من 3 ليالٍ في الأسبوع لمدة شهر.

  • الشخير العالي أو توقف التنفس أثناء النوم.

  • النوم خلال النهار بشكل مفرط رغم ساعات النوم الكافية.

  • الاكتئاب أو تغير المزاج المستمر المرتبط بالأرق.

  • الشعور بعدم الراحة النفسية أو الجسدية عند محاولة النوم.

دور العائلة في دعم النوم عند كبار السن

  • خلق بيئة هادئة في المنزل خلال الليل.

  • تجنب النقاشات أو الأنشطة المجهدة قبل النوم.

  • مراقبة الأدوية ومواعيدها بدقة.

  • تشجيعهم على ممارسة النشاط اليومي والخروج من المنزل.

إنّ النوم عند كبار السن لا يجب أن يُنظر إليه كأمر ثانوي أو حتمي التدهور مع التقدم في العمر، بل هو عنصر محوري في صحة الإنسان في مرحلته المتقدمة. فالتغيرات التي تطرأ على أنماط النوم قد تكون انعكاسًا لمشاكل صحية أو نفسية تحتاج إلى تدخل مدروس ورعاية شاملة. ومع أن الأرق أو الاستيقاظ الليلي المتكرر قد يبدوان من العلامات الشائعة بين كبار السن، فإن ذلك لا يعني بالضرورة الاستسلام لهذه المشكلات، بل ينبغي البحث عن الأسباب الجذرية والعمل على معالجتها بطرق علمية وفعالة.

لقد تناولنا في هذه المقالة أبرز الأسباب التي تمنع الراحة الليلية، من الآلام المزمنة، واضطرابات التنفس، إلى تأثيرات الأمراض المزمنة والعوامل النفسية والسلوكية. كما استعرضنا أهمية بيئة النوم، والدور الحاسم الذي تلعبه العائلة في تحسين جودة النوم، إلى جانب الحلول غير الدوائية التي ثبتت فعاليتها على المدى الطويل، مثل تعديل نمط الحياة، وممارسة الرياضة، والعلاج السلوكي المعرفي.

إنّ تحسين النوم لا يعني فقط الحصول على ساعات نوم كافية، بل الحصول على نوم هادئ، متواصل، وعميق ينعكس إيجابًا على المزاج، التركيز، والمناعة، ويساعد في تقليل مضاعفات الأمراض المزمنة. وكلما أدركنا هذا الرابط بين النوم والصحة، كلما تمكّنا من دعم كبار السن بطرق تضمن لهم حياة أكثر راحة واستقرارًا.

الأسئلة الشائعة

1. هل من الطبيعي أن يقل عدد ساعات النوم عند كبار السن؟

نعم، مع التقدم في العمر، تقل الحاجة إلى النوم قليلاً، وقد يكتفي بعض كبار السن بـ 6 إلى 7 ساعات يوميًا. لكن ما يُعد غير طبيعي هو الاستيقاظ المتكرر ليلاً، أو الشعور الدائم بالتعب أثناء النهار رغم عدد ساعات النوم الكافية.

2. ما العلاقة بين الاكتئاب واضطرابات النوم عند كبار السن؟

الاكتئاب من الأسباب الشائعة لاضطرابات النوم عند كبار السن، حيث يعاني المصابون به من صعوبة في النوم أو الاستيقاظ المبكر دون القدرة على العودة للنوم، كما يؤثر على جودة النوم بشكل عام.

3. ما أفضل علاج غير دوائي لتحسين النوم عند كبار السن؟

أفضل العلاجات غير الدوائية تشمل:

  • تعديل عادات النوم.

  • تحسين بيئة النوم.

  • ممارسة النشاط البدني المعتدل.

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT-I)، وهو الأكثر فعالية على المدى الطويل.

4. هل القيلولة النهارية تؤثر على النوم الليلي عند كبار السن؟

نعم، القيلولات الطويلة أو المتأخرة في اليوم قد تضعف الرغبة في النوم ليلاً. يُفضل أن تكون القيلولة قصيرة (20-30 دقيقة) وفي فترة الظهيرة فقط.

5. متى يجب استشارة الطبيب بخصوص مشاكل النوم عند كبار السن؟

يُنصح بمراجعة الطبيب إذا استمرت صعوبات النوم لأكثر من 3 ليالٍ أسبوعيًا لمدة شهر، أو إذا كان هناك شخير مفرط، انقطاع في التنفس أثناء النوم، أو أعراض اكتئاب مصاحبة للأرق.

6. هل تناول الأعشاب مفيد لتحسين النوم عند كبار السن؟

بعض الأعشاب مثل البابونج، النعناع، أو اللافندر قد تساعد على الاسترخاء وتحسين النوم، لكن يجب استشارة الطبيب قبل استخدامها لتجنّب التداخل مع أدوية أخرى.

مشاركة

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022