والواقع أن هذا العمل الذى شارك فيه العديد من الأطراف كان خطوة فى سلسلة طويلة من الأنشطة واللقاءات المتعددة لهيئة تنفيذية أشرفت على صياغة الوثيقة وإصدارها واﻻحتفال ببعض رموز المجتمع من الكبار الذين تركوا بصمات مضيئة فى إطار العمل الأهلى والخدمى لكبار السن باعتباره رصيد حكمتهم وخبرتهم.
وعَبر ذلك عن الزيادة المطردة فى أعداد كبار السن وهم يواجهون فى أغلبيتهم، بسبب التقدم فى العمر والظروف الصحية واﻻقتصادية واﻻجتماعية، العديد من المشكلات إلى جانب الشعور باﻻفتقار إلى الأمان والمكانة اﻻجتماعية كما يواجهون إحساسا –أحيانا ــ بالتهميش اﻻجتماعى والعزلة وفقدان الرغبة بالتمتع بالحياة.
ما يضع إمكانية تحويل بنود هذه الوثيقة إلى أمر واقع على كاهل الدولة والأسرة والمجتمع وهى مسئولية كبيرة لمواجهة هذه الأوضاع. فالأمم التى تهمل كبارها وصغارها ﻻ تعتبر من الأمم المتحضرة وإنما تمثل كثيرا من الإهمال والتردى الإنسانى والحقوقى.
والملاحظ أن هذه الوثيقة الهامة استندت إلى نص المادة 83 من الدستور الجديد الذى صدر فى عام 2014 والذى ينص على «التزام الدولة بضمان حقوق المسنين صحيا واقتصاديا واجتماعيا وترفيهيا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة، كما تراعى الدولة فى تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين وتشجع منظمات المجتمع المدنى على المشاركة فى رعايتهم».
كما استندت الوثيقة إلى اﻻتفاقيات الدولية التى وقعت وصدقت عليها الدولة المصرية مثل الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والاتفاقيات بشأن الحقوق اﻻقتصادية واﻻجتماعية والثقافية وخطة عمل فيينـا لعام 1982 وخطة عمل مدريد لعام 2002… إلخ.
وفى مجال الحقوق الصحية للكبار نص صراحة فى الوثيقة على حق كبار السن فى توافر وإتاحة نظام لرعاية الصحية المتكاملة التأمينية الشاملة لهم وتوفير العلاج اللازم حسب احتياجاتهم بغض النظر عن تكلفة العلاج وقدرتهم على تحمله.
كما نصت الوثيقة على عدم جواز إجبار كبار السن على الخضوع لأى إجراء طبى علاجى أو وقائى بغير موافقتهم وضرورة اطلاعهم على حقيقة مرضهم ووضعهم الصحى، وأن يحرروا وصية مسبقة يقبلون فيها أية إجراءات تجريبية سريرية إكلينيكية عليهم وما يرفضونهم منها وعدم جواز أخذ أى عضو من أعضائهم بعد الوفاة إلا بموافقة مكتوبة منهم.
وفى جانب حقوقهم اﻻجتماعية واﻻقتصادية ضرورة ضمان حقهم فى الحصول على المعاش المناسب الذى يكفل لهم حياة كريمة ولمن يعولونهم حتى لو كان لهم معاشا حكوميا ولكنه غير كافٍ.
إلى جانب حقهم فى السكن الصحى الملائم ووضع رعايتهم كمحور أساسى من خطة الدولة للتنمية المستدامة التى يتم الإنفاق عليها من موارد الموازنة العامة أو التمويل المجتمعى المنظم. وتنظيم حقهم فى العمل لمن يستطيع العمل منهم مقابل أجر بالقدر الذى تسمح به حالتهم الصحية مع تأهيلهم لممارسة الأعمال التى تناسبهم للاستفادة من خبراتهم.
وإلى جانب حقهم فى استخدام وسائل المواصلات العامة بأسعار مخفضة مع تخصيص أماكن خاصة بهم وتيسير سبل إنجاز تعاملاتهم مع الجهات الحكومية، وإتاحة حقهم فى المشاركة فى الحياة العامة السياسية واﻻجتماعية، وتكوين كيانات وروابط خاصة بهم تكون ممثلة لهم للحفاظ على مصالحهم وحماية حقوقهم قانونيا، وتيسير إجراءات التقاضى لهم واعتبار القضايا التى يكون أحد طرفيها كبير السن تنظر على وجه السرعة وتجريم الإساءة لهم من قبل أى أطراف سواء كان داخل الأسرة أو أى مؤسسة أو أطراف يتعاملون معهم.
وحقوقهم الثقافية والترفيهية بإتاحة ارتيادهم المسارح ودور السينما وحفلات الموسيقى بالمجان وحقهم فى الحياة البسيطة المبهجة بتوفير سبل وضع برامج لدمجهم فى المجتمع وتوفير بيئة أفضل لهم بتغيير الصورة السلبية الخاصة بكبار السن فى الإعلام وغيره من الوسائل التى تصيبهم بالوصم.
تلك الوثيقة مجرد خطوة لمخاطبة الضمير الجمعى لمجتمع تتناوشه الصراعات والتطورات المتلاحقة التى تجعلهم فى وضع مأزوم تعانى فيه الفئات الأكثر احتياجا وهشاشة للرعاية والحماية واﻻحترام ولا يمكن قياس درجة تحضر أى مجتمع فى خططه التنموية دون النظر لأوضاع الكبار فيه إلى جانب النساء والأطفال.
فالأمم المتردية الفاشلة فقط هى التى تترك كبارها فى مهب الريح بلا حماية.
وقد أثار دهشتى أخيرا أحد الإعلاميين الكبار عندما كان يتحدث ويحث الشباب على البحث عن عمل بعيدا عن التعطل على المقاهى أنه رأى رجلا مسنا وزوجته فى إشارة مرور يروج وهى تساعده لبيع (الذرة المشوي) لراكبى السيارات، واعتبر ذلك دليلا على سعيهم المحمود وراء الرزق متجاهلا حقهم الأصيل فى الرعاية الأكرم بمعاش مناسب بعيدا عن مهنة أقرب للتسول لكبار السن لا تتناسب وظروفهم الصحية والجسدية.
فهكذا للأسف ينظر البعض للكبار دون مراعاة لأهمية حمايتهم من العمل الشاق أو التسول للضرورة التى تدفعهم إلى العوز والجوع فى أواخر العمر.
إن الوثيقة مجرد أوراق بديعة ودون التزام من المجتمع والدولة إلى تحويلها لخطط وبرامج وتشريعات ملزمة تجرم التجاوز فيها أو إهمالها غير مقبول، فالاحتفالية انتهت والوثيقة أصدرت بإشراف وزارة التضامن اﻻجتماعى، ولكن سيظل ملف الكبار مفتوحا حتى نرى حقوقهم تحترم وتحمى وتنفذ؛ لنصبح أمة جديرة باﻻحترام.