لا يخفى على أحد أثر الحرب على غزة بكل ما تحمله من مآسي إنسانية، دمارٍ شامل، وتشريد لآلاف الأسر، لكن ما يُغفَل في كثير من الأحيان هو التأثير العميق لهذه الحروب على فئة كبار السن، الذين يجدون أنفسهم مُحاصرين ليس فقط تحت القصف، بل وسط ضغوط نفسية وجسدية هائلة. بين الذكريات المؤلمة، وفقدان الأحبة، وغياب الرعاية، تتراكم الآثار النفسية والعاطفية لتترك بصمتها الثقيلة على هذه الفئة العمرية الهشّة.
أثر الحرب على غزة الضغوط النفسية لدى كبار السن
في خضمّ النزاعات المستمرة، يتجلّى أثر الحرب على غزة بشكل واضح في الحالة النفسية لكبار السن الذين يواجهون واقعًا يوميًا من الخوف والقلق والتوتر. هذه الفئة العمرية، التي غالبًا ما تكون أكثر حساسية وأقل قدرة على التأقلم مع التغيرات المفاجئة، تجد نفسها وسط فقدان المأوى، أو تدمير منازلها، أو رحيل أحبّتها، مما يضاعف من معاناتها النفسية والجسدية.
يعاني الكثير من كبار السن من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، مثل الأرق، الكوابيس، الانطواء، ونوبات من الحزن العميق. كما أن فقدان الروتين اليومي، والاعتماد على المساعدات الطارئة بدلًا من الاستقلالية، يزيد من شعورهم بالعجز وفقدان الكرامة.
وتزداد المعاناة النفسية حين لا تتوفر مراكز دعم نفسي متخصصة أو برامج إعادة تأهيل تراعي احتياجاتهم الخاصة. فالأزمة لا تقتصر فقط على أثر الحرب على غزة من حيث الدمار المادي، بل تمتد لتشمل آثارًا نفسية صامتة، لكنها مؤلمة، تهدد صحة وحياة كبار السن الذين لطالما حملوا عبء الحروب في قلوبهم قبل أجسادهم.
فقدان الأمان والاستقرار وأثره العاطفي على كبار السن
من أبرز ما يخلّفه أثر الحرب على غزة في نفوس كبار السن هو فقدان الإحساس بالأمان والاستقرار، وهما من الاحتياجات النفسية الأساسية في هذه المرحلة العمرية. فمع كل صافرة إنذار، وكل لحظة تهجير، وكل دوي انفجار، تترسّخ مشاعر الخوف والقلق داخلهم، ويتلاشى شعور الطمأنينة الذي يحتاجونه بشدة.
كبار السن، بخلاف الفئات العمرية الأخرى، غالبًا ما تربطهم علاقة عاطفية عميقة بمنازلهم، وأحيائهم، وحتى تفاصيلهم اليومية الصغيرة. لذلك، فإن دمار البيت أو النزوح القسري لا يمثل فقط خسارة مادية، بل يُعد فقدانًا لهوية امتدت لعقود. هذا الانقطاع المفاجئ عن المكان والذكريات يخلّف جرحًا عاطفيًا يصعب التئامه.
كما يؤدي غياب البيئة الآمنة إلى تقويض الثقة في المستقبل، ويُشعر المسنين بالعزلة والتهميش، خاصة مع غياب من يحتضن معاناتهم أو يصغي لما يحملونه من آلام دفينة. لذلك، فإن أثر الحرب على غزة لا يتوقف عند حدود الدمار الفيزيائي، بل يمتد ليهزّ استقرار النفس والعاطفة لدى كبار السن الذين يواجهون الصراع بأسى وحنين دائم لما كان.
الآثار الجسدية المرتبطة بالضغوط النفسية لدى كبار السن
لا يمكن فصل التأثير النفسي عن الجسدي عند الحديث عن أثر الحرب على غزة، خاصةً لدى كبار السن الذين يتأثرون بشكل مباشر من التوتر المستمر والضغوط العصبية اليومية. فالحالة النفسية المضطربة تؤدي في كثير من الأحيان إلى تفاقم الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب، والسكري، والتي تُعد شائعة في هذه الفئة العمرية.
التعرض المستمر للخوف والقلق يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في النوم، فقدان الشهية، ضعف المناعة، وتدهور الحالة العامة للجسم. كما أن كثيرًا من كبار السن قد يتوقفون عن تناول أدويتهم بسبب النزوح أو صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية، مما يعرضهم لمضاعفات صحية خطيرة.
إلى جانب ذلك، فإن الإهمال النفسي يمكن أن يؤدي إلى تدهور سريع في الحالة الإدراكية، ويزيد من احتمالية الإصابة بالخرف أو الاكتئاب العميق. وفي ظل غياب الدعم الطبي والنفسي المناسب، تبقى هذه الآثار صامتة، لكنها مدمّرة.
إن أثر الحرب على غزة يتعدى كل ما هو مرئي؛ فهو ينخر في صحة كبار السن من الداخل، ويضعف أجسادهم ببطء، نتيجة عبء نفسي ثقيل لا يستطيعون تحمّله وحدهم.
دور الدعم النفسي والمجتمعي في التخفيف من معاناة كبار السن
في ظل الواقع القاسي الذي فرضه أثر الحرب على غزة، يبرز الدور الحيوي للدعم النفسي والمجتمعي كأحد أهم أدوات التخفيف من معاناة كبار السن. فهذه الفئة تحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد مأوى أو مساعدات غذائية؛ هي بحاجة إلى من يُنصت، يُساند، ويُعيد لها شعورها بالكرامة والاحتواء.
الدعم النفسي يبدأ ببرامج مخصصة تراعي الفروق العمرية والاحتياجات العاطفية لكبار السن، مثل جلسات التفريغ النفسي، الأنشطة الجماعية، أو حتى الاستشارات الفردية التي تساعدهم على التعبير عن مشاعرهم والتعامل مع الصدمة بطريقة صحية.
أما المجتمع، فله دور لا يقل أهمية، من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي، وإشراك كبار السن في الحياة اليومية، والاستفادة من خبراتهم، مما يعزز من شعورهم بالأهمية والانتماء. كما أن تطوع الشباب والمؤسسات المحلية في تقديم الرعاية والمساندة النفسية والاجتماعية يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في تحسين حالتهم العامة.
إن مواجهة أثر الحرب على غزة يتطلب تكاتفًا جماعيًا، تنبع قوته من الرأفة والإنسانية، خاصة تجاه كبار السن الذين يستحقون رعاية خاصة تعيد إليهم بعضًا من الأمان المفقود وسط ركام الحرب.
التوصيات لتعزيز دعم كبار السن في أوقات الأزمات
لمواجهة الآثار العميقة التي يخلّفها أثر الحرب على غزة في نفوس كبار السن، لا بد من اتخاذ خطوات عملية تضمن لهم رعاية شاملة تحفظ صحتهم الجسدية والنفسية. وفيما يلي أبرز التوصيات التي يمكن أن تسهم في تحسين واقعهم خلال الأزمات:
-
توفير خدمات الدعم النفسي المتنقلة في مراكز الإيواء والمناطق المتضررة، بإشراف متخصصين في الصحة النفسية لكبار السن.
-
إنشاء برامج تدريبية للأسر ومقدّمي الرعاية حول كيفية التعامل مع الصدمات النفسية والتغيرات السلوكية لدى كبار السن.
-
دعم الرعاية الصحية المنزلية والمجتمعية لضمان استمرار تناول الأدوية ومتابعة الأمراض المزمنة في ظل الظروف الطارئة.
-
تعزيز دمج كبار السن في الأنشطة المجتمعية والترفيهية لتقليل الشعور بالعزلة وتدعيم روابطهم الاجتماعية.
-
إشراك كبار السن في اتخاذ القرارات المتعلقة برعايتهم ومكان إقامتهم، مما يعزز من شعورهم بالاستقلالية والاحترام.
-
توفير موارد طوارئ خاصة بكبار السن تشمل احتياجاتهم الغذائية، والدوائية، والنفسية ضمن خطط الاستجابة الإنسانية.
بات واضحًا أن تجاهل فئة كبار السن في ظل النزاعات لا يؤدي إلا إلى تعميق معاناتهم. لذا، فإن أي استجابة إنسانية شاملة يجب أن تضعهم في صدارة الاهتمام، إدراكًا لعمق أثر الحرب على غزة عليهم، وحرصًا على حمايتهم من آثارها طويلة الأمد.
أصوات من الواقع| شهادات حية لكبار السن المتأثرين بالحرب في غزة
لإدراك حجم أثر الحرب على غزة، لا يكفي الحديث بلغة الأرقام أو التحليل، بل من الضروري الإصغاء إلى أصوات كبار السن الذين عاشوا التجربة بكل تفاصيلها. شهاداتهم تروي قصصًا عن فقدان، وصبر، وحنين، وأمل لا يموت رغم كل شيء.
إحدى السيدات في السبعينات من عمرها تقول: “في كل مرة أسمع صوت الطائرات، أتخيل أنني سأفقد أحد أبنائي. قلبي لم يعد يحتمل، لكنني أحاول أن أتماسك من أجل أحفادي.”
ورجل مسن آخر يروي: “لقد دُمّر بيتي الذي بنيته بيدي. لم أعد أملك شيئًا، لكن ما يؤلمني أكثر هو شعوري بأنني عبء على من حولي.”
هذه الشهادات تسلط الضوء على عمق الجراح النفسية والعاطفية، وتكشف عن احتياجات حقيقية تتجاوز الغذاء والمأوى. إنها دعوة مفتوحة لإعادة النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع المسنين أثناء الأزمات، ولبذل المزيد من الجهود لمداواة ما لا يُرى.
في ظل تصاعد الصراعات وتكرار العدوان، لا يمكن تجاهل أثر الحرب على غزة الذي يمتد إلى أعماق الفئات الأكثر ضعفًا، وعلى رأسها كبار السن. فالحرب لا تسرق فقط البيوت والممتلكات، بل تسلب الأمان، والطمأنينة، والذكريات من أرواح اعتادت على الاستقرار والسلام.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو أثر الحرب على غزة في الصحة النفسية لكبار السن؟
يتجلى أثر الحرب على غزة في تزايد معدلات الاكتئاب، القلق، واضطرابات ما بعد الصدمة لدى كبار السن، بسبب فقدان الأمان والتعرض المتكرر للصدمات والتهجير.
2. لماذا يتأثر كبار السن نفسيًا بشكل أكبر في أوقات الحروب؟
كبار السن أكثر حساسية للتغييرات المفاجئة، كما أن لديهم تجارب حياة طويلة تجعلهم يرتبطون عاطفيًا بأماكنهم وذكرياتهم، مما يزيد من شعورهم بالحزن والعجز عند فقدانها.
3. ما العلاقة بين التوتر النفسي والأمراض الجسدية لدى كبار السن في غزة؟
يؤدي التوتر الناتج عن الحرب إلى تفاقم الأمراض المزمنة مثل ضغط الدم، أمراض القلب، والسكري، وهو من أبرز مظاهر أثر الحرب على غزة لدى كبار السن.
4. ما نوع الدعم الذي يحتاجه كبار السن في غزة خلال الأزمات؟
يحتاج كبار السن إلى دعم نفسي متخصص، رعاية صحية مستمرة، أنشطة اجتماعية، وتعامل إنساني يضمن لهم الأمان والكرامة في ظل ظروف النزاع.
5. كيف يمكن التخفيف من الآثار النفسية للحرب على كبار السن؟
من خلال توفير جلسات دعم نفسي، إشراكهم في المجتمع، توفير بيئة آمنة، والتأكيد على احترام مشاعرهم واحتياجاتهم الفردية.
6. هل توجد مبادرات ناجحة تدعم كبار السن في غزة؟
نعم، هناك بعض المبادرات المحلية والدولية التي بدأت تقديم برامج نفسية واجتماعية لكبار السن، لكنها لا تزال بحاجة إلى توسعة وانتشار لتشمل الجميع المتضررين.
7. كيف يساهم المجتمع في حماية كبار السن من آثار الحرب؟
من خلال رفع الوعي بحقوق كبار السن، تقديم الدعم الأسري والمجتمعي، وتفعيل دور المؤسسات المدنية في الرعاية والمتابعة النفسية والاجتماعية لهم.