المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

أول طبيبتين تتخصصان فى “صيدلة المُسنين” يرويان تجربتهما

“كيس بلاستيكى ملىء بالأدوية يحمله رجل سبعينى، اعتاد أن يحملها فى يديه لعلاج خليط بين أمراض الضغط والسكر والقلب”، مشهد طبيعى نشاهده بشكل شبه يومى، لم يلتفت صاحب هذا الكيس أو ذووه إن كان هذا الكم من الأدوية تتفق سويا، أم هناك تعارض فيما بينها، وإن كانت تلك العلاجات هى الأنسب بالنسبة لحالته المرضية والاقتصادية أم لا، إلا أنه بالتزامن مع تطور العلوم بشكل عام، وفى الصيدلة بشكل خاص، تخصصت طبيبتان صيدليتان فقط فى مصر فى “صيدلة المُسنين”، والتى تمكنهن من العناية بشكل أكثر دقة بالمرضى من كبار السن بداية من سن الـ65 عاما وما هم أكبر من ذلك.

وللتعرف على ذلك التخصص الصيدلى الدقيق، قالت الدكتورة شيماء العبد، إحد الصيدليات المتخصصات فى “صيدلة المُسنين”، إن الصيدلة فى العالم كله تتجه نحو التخصص مثل سائر المجالات، لأن كل الأنواع من الأمراض لها رعايتها الخاصة، ومنذ فترة طويلة عُرفت الصيدلة الإكلنيكية، والآن بدأ الاتجاه إلى أن الصيدلى ليس دوره فقط إعطاء الدواء، بقدر أن دوره، ضمن الفريق الطبى، وضع خطة علاجية مُحكمة للمريض، بجانب دوره بمجرد تشخيص الطبيب للمرض وكتابته للأدوية، تبدأ مرحلة كيفية التعامل مع الدواء، وما تأثيره على حالة المريض، وكيف سيجعل حالته أفضل، وما الأعراض الجانبية المتوقعة؟ وهل هناك أعراض يمُكن التأقلم معها؟ ومن الممكن أن تختفى بعد فترة؟ وإن كان بعضها يحتاج إلى التوقف عن تناول الدواء.

 

وأضافت شيماء، فى حديثها لـ”اليوم السابع”، أن المرضى كبار السن غالبا ما يتناولون عددا من الأدوية معا، وذلك يتطلب المتابعة الجيدة مع الصيادلة، خاصة أن البعض قد يعتاد تناول أعشاب طبيعية، باعتبارها لا تتفاعل مع أدوية، رغم أنها قد تتسبب فى مشاكل كبيرة صحية لهم، وعلى الجانب الآخر يساعد ذلك التخصص على إعلام المريض بأنواع الأغذية التى لا بد أن يتجنبها مع تلك أدوية، وما توقيتات تناول كل منها؟ لكن ذلك يمكن وضعه تحت مُسمى “الصيدلة الإكلينيكة”، فى حين أنه مع الوقت وجدوا أن هناك أنواعا من الأمراض والمرضى فى حاجة إلى رعاية أكثر مثل مرضى الأورام والقلب، كما أن أكثر أشخاص تتعامل مع عدد كبير مع الأدوية هم كبار السن.

 

وتابعت شيماء: “دائما نجد أن كبار السن يحملون كيس به مجموعة من الأدوية، لأن كل طبيب يصف له علاجا مختلفا، وبعد فترة من الممكن أن يتم اكتشاف أنه يتناول الكثير من الأدوية، أو أنه يحصل على دوائين مماثلين، أو ما زال يتناول علاجا كان لا بد من وقفه، أو دواء يتعارض مع آخر والذى يؤدى إلى أعراض جانبية، أو يتناول دواء يقلل من فعالية علاج آخر، وهكذا، وهنا وجدوا أن كبار السن فى حاجة إلى اهتمام خاص فيما يتعلق بالدواء، وفهم تأثير الدواء وما يحتاجونه فى هذا السن المتقدم، مع مراعاة أن أصحاب هذا السن نفسيتهم تختلف، كما أنه بالنسبة للجانب الطبى فإن العمليات الحيوية لديهم تختلف تماما، فيما يتعلق بطرد المواد العضوية، والأدوية، وتوزيع الدواء فى الجسم، وحالة القلب والكلى، وغيرها، ويصبح هناك تعامل مختلف من الجسم مع الدواء”.

واستطردت دكتورة شيماء: الصيدلى المتخصص بـ”كبار السن” دوره يأتى بعد تشخيص الطبيب للمرض، وكتابة العلاج، ففى حال حجز المريض بالمستشفى فإن ذلك يمنح فرصة أكبر للصيدلى فى المناقشة مع الطبيب والوصول إلى أفضل الطرق العلاجية والجرعات، وفق وظائف الكلى والكبد مثلا للمريض، وفى حالة كبار السن الذى يتعالجون من أمراض مزمنة فيتجه للأطباء للتشخيص، ودور الصيدلى يأتى هنا لمراجعة التاريخ الدوائى والمرضى للمريض، والحصول على معلومات منه حول عائلته، ووضعه الاجتماعى وكل ما يخص حياته وحالته الاقتصادية، لأن كثيرا منها يؤثر على المريض، فمثلا: إذا كان المريض غير قادر على شراء دواء ما فمن الممكن أن يتم وصف دواء له بنفس المادة الفعالة يناسب قدرته، لضمان استمرار المريض فى تناول الدواء، والتأكد من عدم وجود تعارضات فيما بينها، خاصة أن كل إنسان رد فعل جسمه على أى مادة يتناولها هناك درجة من درجات الاختلاف، وبالتالى لا بد من وجود طرق تناسب كل مريض على حدة.

 

وأوضحت شيماء أن الجانب الآخر من صيدلة المُسنين هو أن الأشخاص فى نهاية حياتهم يعانون من مرض مُزمن عادة، سواء سرطان أو شلل رعاش أو غيرهم من الأمراض، قائلة: وهنا لا بد من تحديد إن كان المريض ما زال فى حاجة إلى الاستمرار فى تحميله بتلك الكميات الكبيرة من الأدوية، والتى كان يتناولها وهو فى عمر 60 عاما، حتى وهو فى عمر الـ80 عاما، وهى قرارات مهمة جدا، تحتاج إلى الوقوف إلى مدى الفائدة والمخاطر التى من الممكن أن يتعرض لها، لافتة إلى أنها حصلت على تخصص “صيدلة المُسنين” بالبورد الأمريكى، للتخصصات الصيدلانية الإكلينيكة.

أما الدكتورة شيماء السيد أحمد، إحدى الصيدليات الثلاثة فقالت لليوم السابع: “إن جدتى كانت سببا أساسيا فى اتجاهى لذلك التخصص، فقد شعرت من خلالها أن كبار السن دائما يحتاجون إلى عناية واهتمام أكثر من غيرهم، وأننا قادرون كصيادلة على خدمتهم، واختيار الرعاية الأقرب لهم، والأكثر فائدة، وتهدف صيدلة المسنين إلى تعليم كبار السن كيفية توصيل الدواء وتقديم رعاية صيدلية لهم، وليس فقط منحهم الدواء وتحديد مواعيده، لكن مهمة الصيدلى هنا هو العناية به سريريا، وبالتالى يُصبح الصيدلى أكثر قربا للمريض.

وتابعت شيماء السيد: المسنون الفئة الأكثر إصابة بالأمراض ومن بينهم حالات مرضية مُعقدة أكثر من غيرها، ويحتاجون إلى رعاية صيدلية مختلفة، وبالتالى كانت هناك حاجة إلى تخصص صيدلى المسنين، وحصلت على الشهادة منذ 5 سنوات، وكنت أول من حصلت عليها فى مصر، بسبب اهتمامى بالأمر، حيث عملت لفترة ببعض المؤسسات المعنية بخدمة دور المسنين، وتقديم الرعايا الطبية والنفسية للأشخاص فى آخر حياتهم.

 

وأكدت شيماء السيد أن صيدلة المُسنين لا تغنى عن الطبيب، لكنها تحمى المريض من الدخول فى كوارث حال عدم متابعته مع مقدم الرعاية الصحية تمريض متخصص مثلا، أو طبيب متخصص فى رعاية المسنين، مضيفة: وغالبا ما يأتى مريض مصاب بأكثر من أربعة أمراض مزمنة، وهنا يأتى دور الصيدلى المتخصص فى رعاية المسنين، ومتابعة حالته اليومية من خلال انضباطه فى تناول الأدوية وضبط جرعاته، ومنع تكرار أدوية، أو منعه من الحصول على دواء يمثل خطرا على حالته، بجانب توجيه المريض للطبيب الصحيح حال حاجته لذلك، أو لفت انتباهه إلى وجود إنذار خطر.

 

وأوضحت أن المسنين أبرز مشكلة يعانون منها هى عدم المتابعة، والالتزام بالجرعات الدوائية، فقد يحصلون على جرعة ويسقطون أخرى، لافتة إلى أن ذلك التخصص يتعامل مع من هم فوق سن الـ 65 أو 70 عاما فأكثر، خاصة أن المريض فى تلك الفترة عادة يكون دخل فى مشكلة عدم الإدراك أيضا، والتركيز أقل، وغير قادر على تنظيم حياته، مما يجعله فى حاجة إلى دعم طبى زائد.

 

وحول استفادتها بصيدلة المسنين، قالت: أعمل فى المستشفى المركزى بمدينة المنصورة، كنت أعمل فى “عناية القلب” وقت حصولى على التخصص الحديث، وبعد ذلك تم افتتاح مركز لمعلومات الأدوية، ومن هنا بدأت تطبيق تخصصى على المستشفى والمرضى، من خلال التعامل المباشر مع المرضى، وعملى لنشرات دورية يتم توزيعها على المرضى والأطباء، وفرق التمريض، والصيادلة الجدد للاستفادة مما درسته، وتطبيقه على الأقسام الداخلية فى المستشفى.

 

وقالت: جزء من صيدلة المسنين معنى بتوفيق الأدوية الخاصة بالمرضى، وقد أجرينا دراسة بالمستشفى حول تأثير إدارة الرعاية الدوائية المباشرة على معدل التردد على العناية المركزة بين المرضى المسنين الأميين المصابين بأمراض قصور القلب وأمراض أخرى مصاحبة، ووجدنا أنه عقب خروجهم وإجراء متابعة معهم لتنظيم أدويتهم، قلل ذلك مُعدل دخولهم مرة ثانية للعناية المركزة بنسبة ملحوظة جدا، والبحث تم نشره فى مجلة العلاجيات، التابعة للكلية الأمريكية للصيدلة، وهى هيئة غير ربحية تهدف لرفع مستوى الصيدلة الإكلينيكية، وهو أمر مميز جدا، وبناء عليه تم تطبيقها لدينا بالمستشفى.

 

وأشارت شيماء السيد إلى أنه بتخصص صيدلة المسنين، عادة ما يحتاج المريض المسن فى الجلسة الأولى لـ30 دقيقة للإلمام بحالته، وعند المتابعة فيما بعد يحتاج 15 دقيقة فقط، خاصة أنها تعتمد على الاحتفاظ بالملفات والتواريخ الدوائية، لكل حالة، مثل ملفات الأطباء، لكن مع التركيز على التاريخ الدوائى، قائلة: وعادة لا تتعد حالات المسنين فى المستشفى عن 50 حالة فى اليوم، فيصبح من السهل التعامل معهم واحتوائهم.

 

وأكدت أن ما يميز صيدلى المسنين عن الصيدلى الإكلنيكى هو أنه متخصص علميا بشكل زائد فى التعامل مع المسنين، قائلة: أنصح أنه فى حال رغبة صيدلى فى التخصص أن يدرس مسنين، خاصة أنه بدراستها سيجد أنها تمنحه تفاصيل زائدة، لأنها توضح له احتياجات الجسم فى هذا العمر المقتدم، والتركيز على العادات وعلم الاجتماع للمسنين، وجزء كبير منها يكون نفسيا للتعامل مع المريض المسن تحديدا، والتعرف على مشاكله الذهنية، والاجتماعية، وغيرها.

 

 

المصدر : دوت الخليج

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022