المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

الشيخوخة عددياً في البلاد العربية والعالم اليوم

جاء في دراسة للّجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، أن نمط التوازن الديموغرافي التقليدي في البلاد العربية تغيّر في العقود الماضية. وتمثّلت إحدى نتائج التحوّل الديموغرافي من ارتفاع معدّلات الخصوبة إلى انخفاضها، ومن ارتفاع معدّل الوَفَيَات إلى انخفاضه في تطور الهيكل العمري للسكان (هرم الأعمار). وأدى تراجع الخصوبة في البلدان العربية إلى تغييرات مهمّة في هذا الهيكل. وتتمثّل التغييرات في ارتفاع حاد لنسبة السكان بسن العمل (25 إلى 64 عاماً) وانخفاض نسبة السكان في فئة الأطفال (إلى سن 14 عاماً) وارتفاع بطيء وإن كان تدريجياً في نسبة المسنّين (65 عاماً وأكثر).

DSC_7431c

وعملية الشيخوخة هي أيضاً في مراحلها الأولى في المنطقة العربية حيث تشكل بداية تراجع الخصوبة اتجاهاً حديثاً نسبياً. ومع ذلك، وفي أعقاب التغير السريع للوضع الديموغرافي في المنطقة، لا يمكن التقليل من أهمية الحاجة إلى مواجهة التحديات الكامنة في ارتفاع نسبة السكان المسنّين، نظراً إلى أن العدد المطلق للأشخاص البالغين من العمر 65 عاماً وأكثر قد تضاعف من 5.7 مليون نسمة في عام 1980م إلى 10.4 مليون نسمة في عام 2000م، وإلى 14 مليون نسمة عام 2010م، ويتوقّع أن يبلغ 21.3 مليون نسمة بحلول عام 2020م.

العالم بأسره يزداد شيخوخة
في خمسينيّات القرن العشرين، كانت الفئة العمرية من 65 سنة فما فوق في اليابان مثلاً، تشكِّل نسبة %5 من مجمل تعداد السكان. وقد استقرت النسبة على حالها بعض الوقت، لكنها أخذت تتسارع في نموّها في العقود التالية من السنوات. وفي العام 1989، بلغت نسبة السكان فوق 65 سنة في اليابان %11.6 من مجمل السكان، وفي سنة 2000م بلغت هذه النسبة %16.9. ويتوقّع أن تبلغ في سنة 2020م، نسبة %25.2.

Untitled-11أبرز ما في هذه الأرقام، أن اليابان هي أسرع الدول الصناعية نمواً في فئة الشيوخ. فإذا قورنت مثلاً بالولايات المتحدة، فإننا نلاحظ أن نسبة الفئة العمرية من الشيوخ الأمريكيين استغرقت لتنمو من 7 إلى %14، ما يقرب من 75 سنة. أما فئة الشيوخ من سن 65 سنة وما فوق في ألمانيا وبريطانيا، فنمت نسبتها من 7 إلى %14 في مدى 45 سنة. ولم يستغرق هذا النمو في اليابان غير 24.5 سنة فقط، من سنة 1970م إلى سنة 1995م. ولكن رغم تفاوت النسب هنا وهناك، فإنها تؤكد أن العالم بأسره يشيخ أكثر فأكثر، وبوتيرة أسرع من أي وقت مضى.

مواقف الثقافات المختلفةمن الشيخوخة
في روما القديمة، كان معدل عيش الفرد لا يتعدّى 25 سنة تقريباً، لكن بعض الأفراد كانوا يبلغون سن السبعين، وكانوا يحظون بالاحترام، لحكمتهم. تقول د. كارين كوكاين، من جامعة ريدينغ: «كان الرومان يستفيدون من مسنّيهم، ويؤمنون بحكمتهم وتجربتهم». وقد نَسبَت إلى الخطيب الروماني شيشرون قوله: «ليس أعز عند الإنسان من الحكمة. ومع أن التقدم في السن يأخذ منّا كل شيء، إلا أنه يعطينا الحكمة». أما الشرط الذي لا بد للمسنّ من أن يتحلّى به ليستحق الاحترام، فهو أن يعيش حياة فاضلة. تقول كوكاين: «كان على المتقدمين في السن أن يكونوا مثالاً أعلى للشبان، لأن هؤلاء سيتعلّمون منهم السلوك الحسن».

أما في اليونان، فإن عبارة «الرجل العجوز» ليست سلبية، بل إن الشيخوخة محلّ احتفال وتكريم واحترام، والمسنّ يحتل مكانة المركز في العائلة.

وينظر سكان أمريكا الأصليون بتبجيل كبير إلى كبارهم، لحكمتهم وخبرتهم في الحياة. وتلاحظ دراسة في جامعة ميسوري، في كنساس سيتي، أن الشيوخ منهم يحرصون على نقل معارفهم وخبرتهم إلى الأجيال الطالعة.

shutterstock_18370990وفي كوريا، يُعد تبجيل المسنّ مبدأً من مبادئ تعاليم كونفوشيوس الحكيم الصيني، واحترام الوالدين واجب. بل إن العناية بالمسنّ في العائلة واجب أيضاً. وفي خارج الإطار العائلي، يبدي الكوريّون عموماً احترامهم للمسنّين. يقول كونفوشيوس في تعاليمه: «خشوع الأبناء واحترام الإخوة هما أساس الإنسانية». وفي كوريا تقاليد تقضي الاحتفال ببلوغ الرجل أو المرأة الستين، ثم السبعين من العمر، ذلك أن بلوغ هاتين السنّين مدعاة لفرح العائلة، لأن السابقين في الماضي نادراً ما كانوا يبلغونهما.

وفي الصين، كما في كوريا، يُنظَر إلى خشوع الأبناء للوالدين على أنه أسمى الفضائل. وعلى الرغم من أن بعض التغريب وسياسة الولد الواحد أضعفا نوعاً ما هذا التقليد، إلا أن البالغ الصيني في العموم، يُبدي احتراماً كبيراً لوالديه وللمسنّين. ويُنظَر إلى مَن يودِع والديه في مأوى، على أنه عاق.

والمسنّ في الهند هو رأس العائلة. فكثير من الهنود يعيشون ضمن عائلتهم التي تضم الجدّين والأولاد والأحفاد، ويكون الجدّ هو رأس العائلة. ويلعب الجدّان دوراً فاعلاً في تنشئة الأحفاد. وكلمتهما لا تُردّ عند استشارتهما في الأمور الأساسية. وعدم احترام المسنّ أو إيداعه في مأوى، أمر معيب لدى الهنود.

shutterstock_207300925وفي البلدان العربية، فإن البر بالوالدين الذي أمرنا به الله في القرآن الكريم، ومتانة الروابط العائلية التقليدية ضمن البيت الواحد، وغير ذلك من الاعتبارات الاجتماعية، حفظت لكبار السن مكانتهم اللائقة بهم على وجه العموم، ولم تؤثر المدنية الحديثة كثيراً في ذلك. إذ لا يزال الإنسان العربي يشعر، على سبيل المثال، بحرج من إيداع أهله المسنين في مأوى للعجزة ويمتنع عن ذلك، في حين أن فعل ذلك في المجتمعات الغربية، وخاصة أمريكا المعاصرة، يُعد أمراً شبه مقبول. وفي هذا الصدد، يقول المفكر كوشين باليه إليسون من نيويورك: «ثمة خجل في ثقافتنا من التقدم في السنّ والموت. وحين يتقدم الناس في السنّ يشعرون بأن بهم خطباً ما، وأنهم فقدوا قيمتهم». ويقول عالم الفيزيولوجيا إريك إريكسون: «إن افتقارنا إلى النظرة المثالية إلى الشيخوخة يحرمنا من تكوين نظرة شاملة إلى الحياة».

المصدر

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022