المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

في تايلاند، يحترمون كبار السنّ!!!

تُقيم إيرين بمركز “بان كاملانغشاي”، وهو عبارة عن دار رعاية خاصة بكبار السنّ المصابين بمرض الزهايمر وغيره من الإضطرابات العقلية، وتقدم المصحة إقامة لفترات طويلة نسبيا للمرضى من سويسرا وألمانيا، ويقول مؤسسها مارتن ووتلي: “أحببت لو استفاد الآخرون من تجربتي”.

 ()

عندما تتلاشى الحياة بأكملها

في عام 2002، بعد وفاة والده، وجد أخصائي العلاج النفسي، سليل بلدة مونسينغن (كانتون برن)، نفسه وحيدا مع والدته التي تُعاني من مرض الزهايمر، وكان من المُستبعد بالنسبة له أن يعهد بها إلى دار رعاية للمسنين، فمارتن ووتلي لا يريد لأمّه، التي ترتعش بشكل مُفرط، أن يتم تقييد حركتها وتهدئتها بجرعات كبيرة من الدّواء، وليس من المستطاع إبقاءها في سويسرا وتحمّل تكاليف رعايتها. فالظروف المالية لا تسمح، ولذلك قرر أن يستمع لنداء قلبه ويصطحب أمّه إلى تايلاند، التي يعرفها جيدا، حيث كان قد عمل فيها ضِمن منظمة أطباء بلا حدود.

لم يكن لتكاليف المعيشة وانخفاض الأجور الفضل الوحيد في التوجّه نحو الحلّ الآسيوي، “ففي تايلاند، يتمتع كبار السن باحترام كبير ويحظون بعناية واهتمام الشباب بشكلٍ طبيعي”، على حدّ قول مارتن ووتلي، ثم إن التعامل الإيجابي مع موظّفي التمريض هناك – الذين يرعون شؤون أمّه على مدار الساعة – أقنعه بصحّة اختياره، ليس بالنسبة للمرضى فحسب، وإنما أيضا بالنسبة لذويهم. وبعد ذلك بعام، تأسّس مركز “بان كاملانغشاي”.

“سمعتُ عنه من خلال شاشة التلفزيون”، صرّح سيغفريد، المتقاعِد الذي لا يتخلى – رغم درجات الحرارة الإستوائية – عن لبس الجوارب والحذاء، والذي يرافِق زوجته للمرة الثانية: “هنا أعيد شحْن البطارية، بينما أكون في بلدي مضطرا للاهتمام بنفسي بإيرين ليلا ونهارا، ودائما ينتابني الخوف من أن أعمل حركة خاطئة فأقع على الأرض، ولو كسرت ذراعي أو ساقي، فمن الذي سيعتني بزوجتي؟”.

أن تكون للمسنين حرية الحركة، إنما يرجع إلى ما يتمتعون به من العناية الفردية والدائمة، فكل مريض يُتابع من قبل ثلاثة أشخاص يتعاقبون عليه بشكل دوري ويرافقونه في جميع أنشطته، حتى أثناء الليل، يكون هناك دوما مَن ينام معه في نفس الغرفة، وهو: “ما لا يتيسّر في سويسرا”، كما ذكرت أورسولا انز، وأضافت بأن العلاقة مع طاقم التمريض: “أمر في غاية الأهمية بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من خرف الشيخوخة، ولا يمكن تحقيق النتيجة نفسها، حينما تكون ممرّضة واحدة فقط لكل 7 أو 8 مرضى”.

ولا يبدو على ما يظهر، أن الابتِعاد عن الوطن نحو 10 آلاف كيلومترا والتواجد وسط لُغة وثقافة مختلفتيْن، يُعَد مشكلة. فمن ناحية، أوضحت أورسولا انز أنه: “بالنسبة للمراحل المتقدِّمة من الخرف، كما هنا، اللغة ليست بتلك الأهمية”، وإنما تحل الإشارات والنظرات والتعبيرات والمباشَرة محلّ الكلمات. ومن ناحية أخرى، أشار مارتن ووتلي، إلى أن المرضى يحملون معهم تاريخهم وذكرياتهم ويعيشونها في واقعهم الجديد، وعليه، فهو يدرك جيدا بأن والدته التي غيّبتها المنيّة، كانت تسير في شوارع شيانغ ماي معتقِدة بأنها في برن.

ومن هذا المنظور، يأبى مدير “بان كاملانغشاي” إلا وأن يبقى محافِظا على ما يربطه بسويسرا. فعلى سبيل المثال، لا تخلو وجبة الإفطار من وجود الموسلي (مزيج من الحبوب والفواكه المجففة) والخبز والحليب بالقهوة، هذا على مستوى المطبخ، أما على مستوى الموسيقى الشعبية الألمانية “شلاغر Schlager”، فيتردّد صداها في أجواء المركز.

مرضى الزهايمر إلى تايلاند؟ ليس الجميع

أن يُعهَد بمرضى الزهايمر إلى عيادة متخصّصة في تايلاند، من الممكن أن يكون حلاّ، ولكن في حالات معيّنة فقط، وِفق تحذير جمعية الزهايمر في سويسرا.

وتقول الجمعية، وفقا للنصّ الصادر عنها، بأن الآسيويين مشهورون باحترامهم العظيم للمسنِّين وحسن تقبلهم للآثار الناجمة عن الشيخوخة، هذا بالإضافة إلى أن المُرتّبات في تايلاند تسمح بتوظيف أكثر من شخص للقيام على خدمة المريض.

ومع ذلك، فإن هذا الخيار لا يصلح إلا لأقلية من المرضى، وبالذات، لأولئك الذين يعرفون البلاد، كما تقول مديرة الجمعية بريغيتا مارتينسون.

وقد صرّحت لـ swissinfo.ch قائلة: “لا يكفي أن يكون الشخص قد أمضى أسبوعين عطلة هناك، وإنما يجب أن تتوفّر قناعة بأن المريض سيشعر بالراحة، حتى على المدى الطويل”، وتضيف: “يحتاج مريض الزهايمر إلى ذويه وأن يشعر بالأمان ويكون مُحاطا بأشياء معروفة لديه”.

ووفقا لبريغيتا مارتينسون، لا يوجد ما يؤكّد بأن المكان أو المخاطبة الكلامية، ليست ذات أهمية للمريض، كما أن الوسط الغريب قد يؤدّي بالمريض على سبيل المثال، إلى فقدان المرجعية والارتِباك.

وتؤكد بأن: “المنطق يقول بأن الأوْلى للشخص والمُفضّل عنده، أن يبقى في بلده، لا أن ينتقل إلى غيرها”، وتقول، كما يحدوها الأمل، بأن الواجب أن تقوم سويسرا بتخصيص ميزانية أكبر تسمح بزيادة أعداد طواقِم الرعاية الصحية المؤهّلة وبتوفير مزيد من الدّعم للمرضى الذين يعيشون في منازلهم.

عائلة في قلب القرية

وعلى ذات الصعيد، تعترف جمعية الزهايمر السويسرية بإمكانية أن تتوفّر العناية الصحية لمرضاها خارج البلاد، لكنها أعربت عن بعض التحفظات (انظرها جانبا). أما التايلنديون، فبوصفهم متمسِّكون جدا بالروابط الأسَرية، فإنهم يستغرِبون لماذا يسلك الغربيون هكذا خيارا.

“لطالما تساءلت عن السبب الذي يدفع أبناء الغرب لترك والديْهم في تايلاند”، أفادت مسؤولة أحد المحلات التجارية في “فاهام”، وأردفت قائلة: “وذهب بي التفكير إلى أنهم غير قادرين على العناية بهم بسبب العمل”، أما اليوم، بحسب هذه السيدة، فقد أصبح وجود مرضى “بان كاملانغشاي” أمرا طبيعيا وجزءً لا يتجزّأ من القرية: “في بعض الأحيان، يأتون إلى هنا للتسوُّق، وكثيرا ما نراهم في احتفالات المعبَد، وفي أعياد الميلاد، دعوني لحضور احتفالهم”.

ومن جانبه، يولي مارتن ووتلي مسألة الاندماج في النسيج الاجتماعي، أهمية كبرى. ولهذا السبب، قام بتوزيع ضيوفه على ستّة منازل متناثِرة في الحي وحدّد عدد الأماكن، بحيث لا تتجاوز العشرة، وعلى الرغم من الطلبات المتزايِدة يوميا، إلا أنه لا يرغب في توسيع دائرة عمله، قائلا: “نحن شرِكة عائلية، ونريد أن نظلّ هكذا”.

حلول بديلة لخرف الشيخوخة

منذ عام 2003، استضاف المركز حوالي سبعين شخصا، وتكلّف الإقامة في تايلاند 3500 فرنك سويسري شهريا، أي ثلث تكلفة الإقامة في دار رعاية في سويسرا، غير أن الجانب المادّي ينبغي أن لا يكون هو أساس القرار، كما يُحذّر مارتن ووتلي، مضيفا: “إذا انتابني إحساس بكون المسألة المالية فقط هي الدافع وراء إحضار مريض الخرف لدينا، فلن أقبَل ذلك”.

وفي الوقت نفسه، يُقِر المعالِج النفسي بأنه لا يوجد مَن يمتلك وصفة لمُعالجة تزايُد حالات الخَرف في المجتمعات الغربية. ففي سويسرا، يُتَوقّع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يُعانون من مرض الزهايمر من هنا وحتى عام 2030، وبحسب مارتن ووتلي، سيتم البحث عاجلا عن حلول بديلة أو أنماط جديدة للرعاية: “من جهتي، اخترت تايلاند باعتبار الماضي الذي يربطني بها، ولكن بالإمكان إيجاد نفس الحل في مكان آخر، في أوروبا مثلا”.

ويُصر ووتلي، على أنه من الضرورة بمكان أن تتوفّر للمرضى حاجتهم من التواصُل مع الناس، وينظر من جانبه، إلى المشاريع الكبيرة، كتلك الآخذة في التكاثر حول شيانغ ماي، بعيْن الارتياب، ويتخوّف من أن تفقِد المنطقة أجواءها العائلية، فتتكرّر التجارب السيِّئة الشبيهة بما هو حاصل في سويسرا وألمانيا، حيث لا يُخصّص الوقت الكافي للمرضى.

وهكذا يمضي الوقت بسرعة بالنسبة لسيغفريد زايدل، فقد أزفت إجازته على الانقِضاء، وقريبا سيتعيّن عليه مغادرة “فاهام” وسيترك وراءه زهوره الأرجوانية، التي لها مكانة خاصة في قلبه، وسيعود أولا وقبل كل شيء لرعاية زوجته والقيام على شؤونها شخصيا، أما “بان كاملانغشاي”، فيأمل بالعودة إليها في العام المقبل: “ربما بعد أربعة أشهر إذا سمح لي وضعي المادّي”. أما أن يترك زوجته بشكل دائم في تايلاند، كما يفعل آخرون، إنه لا يريد حتى مجرّد التفكير بذلك: “لقد تزوجنا منذ 59 عاما، وذقنا الحلو والمُر سويا، وأكيد، لا أتخلّى عنها اليوم”.

المصدر

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022