يُعد شهر ذي الحجة من أعظم الشهور في التقويم الإسلامي، ويحمل مكانة رفيعة لا تُضاهى، خاصة في أيامه العشر الأولى التي أقسم الله بها في كتابه الكريم، فقال: “وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ”. هذا القسم الإلهي وحده كافٍ ليُثير فضول كل مسلم لمعرفة سر هذه الأيام وفضلها العظيم، فما الذي يجعل هذه الليالي مختلفة عن غيرها؟ ولماذا يُفضّل الإكثار من الأعمال الصالحة فيها؟
إن شهر ذي الحجة لا يُذكر إلا واقترن بالحج، والوقوف بعرفة، وعيد الأضحى، والنحر، لكنه يحمل في أيامه العشر الأولى كنوزًا روحانية لا تقتصر على الحجاج فقط، بل تشمل كل مسلم ومسلمة أينما كانوا. في هذه المقالة، سنكشف لك عن 10 أعمال سهلة يمكنك القيام بها في الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة، تساعدك على اغتنام الفضل الكبير وتحقيق الأجر المضاعف، دون عناء أو مشقة.
فضل شهر ذي الحجة في الإسلام
شهر ذي الحجة هو أحد الأشهر الحرم التي عظّمها الله عز وجل، وله خصوصية بالغة في الشريعة الإسلامية، تتجلى في اجتماع أعظم العبادات فيه، وورود نصوص شرعية كثيرة تبيّن فضله وفضل العمل الصالح خلاله، وخاصة في الأيام العشر الأولى منه.
وفيما يلي أبرز مظاهر فضل شهر ذي الحجة في الإسلام:
1. أيامه العشر الأوائل من أفضل أيام الدنيا
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
“ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر”، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: “ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلا رجلٌ خرج بنفسِه ومالِه، فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ”
[رواه البخاري]
وهذا الحديث يُبيّن بوضوح أن العمل الصالح في العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة يفوق سائر الأعمال في باقي أيام السنة، حتى الجهاد إلا في حالات نادرة.
2. اجتماع أمهات العبادات في هذا الشهر
لا يجتمع في أي وقت من السنة ما يجتمع في شهر ذي الحجة من عبادات:
-
الصلاة
-
الصيام
-
الصدقة
-
الحج
-
الذكر والتكبير
وهذه ميزة فريدة لا تتكرر في غيره، مما يرفع من درجته في ميزان المواسم التعبدية.
3. الحج والوقوف بعرفة
الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، لا يكون إلا في أيام شهر ذي الحجة. والوقوف بعرفة، الذي هو أعظم أركان الحج، يكون في اليوم التاسع منه، وهو يوم يغفر الله فيه الذنوب ويباهي بأهل عرفات أهل السماء.
قال رسول الله ﷺ:
“ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة”
[رواه مسلم]
4. يوم النحر أعظم الأيام عند الله
اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وهو يوم عيد الأضحى، يُسمّى أيضًا يوم النحر، وقد وصفه النبي ﷺ بقوله:
“أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القَرِّ”
[رواه أبو داود]
5. الأشهر الحُرم
شهر ذي الحجة هو أحد الأشهر الأربعة الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب)، التي حرّم الله فيها القتال، وأمر بتعظيم حرماتها، مما يدل على مكانته العالية.
قال الله تعالى:
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا… مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ”
[التوبة: 36]
عشرة أعمال مستحبة في شهر ذي الحجة
1. التكبير والتهليل والتكبير بعد الصلاة
شهر ذي الحجة هو شهر الذكر، وأعظمه التكبير والتهليل.
-
التكبير: هو قول “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”. يُستحب الجهر به في الأماكن العامة والمنازل والأسواق.
-
التهليل: قول “لا إله إلا الله”، وهو من أفضل الذكر، فقلبك يستنير به ولسانك لا يملّه.
-
التكبير بعد الصلاة: يبدأ من فجر يوم عرفة وحتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق، ويُقال بعد كل صلاة مفروضة قبل مغادرة المصلى.
2. الصيام في الأيام المستحبة من العشر الأوائل
من أفضل الأعمال التي تقرّب إلى الله، خصوصًا لمن لا يحج، صيام التسعة أيام الأولى، وأعظمها صيام يوم عرفة (9 ذي الحجة)، لقول النبي ﷺ:
“صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والتي بعده.”
يمكنك صيام بعض الأيام إن لم تستطع كلها، وتُجزى خيرًا بإذن الله.
3. كثرة الدعاء والذكر
استغل ساعات اليوم في ذكر الله والدعاء. من أفضل الأدعية:
-
“اللهم اجعلني من عتقائك من النار.”
-
“اللهم ارزقني القبول والرضا والمغفرة.”
أفضل أوقات الدعاء: بعد الفجر، بين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل.
4. الصدقة
من الأعمال المحببة في هذه الأيام، خصوصًا مع عظم الأجر فيها.
أنواع الصدقة المناسبة لكبار السن:
-
التبرع للطعام أو الأدوية.
-
المساهمة في حملات العطاء عبر الهاتف أو الإنترنت.
-
وضع صدقة جارية باسمهم في بناء مسجد أو حفر بئر.
5. قراءة القرآن
خصص وقتًا يوميًا لقراءة ما تيسّر، حتى ولو صفحة واحدة بتدبر.
آيات مختارة:
-
سورة الحج
-
أول 10 آيات من سورة الكهف
-
خواتيم سورة البقرة
اجعل للقرآن نصيبًا من يومك، فهو نور القلوب وشفاء الصدور.
6. صلاة النوافل والتهجد
اغتنم هذه الأيام المباركة بزيادة الركعات.
-
النوافل: ركعتا الضحى، وركعات قبل وبعد الفريضة.
-
التهجد: ركعتان في جوف الليل، ترفع بها حاجتك إلى الله في وقت يكون فيه القبول أرجى.
7. التوبة والاستغفار
أقبل على الله بقلب خاشع، وتُب من الذنوب مهما عظُمت.
كيفية التوبة:
-
الإقلاع عن الذنب
-
الندم على فعله
-
العزم على عدم العودة
الاستغفار: “أستغفر الله وأتوب إليه”، وكررها كثيرًا في يومك.
8. إطعام الطعام
من أعظم القربات التي يفرح بها الفقراء والمساكين.
-
قدّم وجبات جاهزة أو ساهم في إفطار صائم.
-
أو ببساطة شارك بطبق من طعامك مع جار أو عامل محتاج.
ثواب هذا العمل مضاعف في العشر الأوائل من ذي الحجة.
9. زيارة الأقارب والصلح بينهم
هذه الأيام فرصة لتصفية القلوب وبناء جسور المحبة.
-
بادر بالزيارة أو مكالمة لمن انقطعت عنهم.
-
سامح واطلب السماح، لتنال رحمة الله في أيام رحمته.
10. الصلاة على النبي ﷺ
في أيام الخير والبركة، أكثر من قول: “اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد.”
قال ﷺ: “من صلّى عليّ صلاةً واحدة، صلّى الله عليه بها عشرًا.”
رددها في كل حين، فهي مفتاح للبركة والراحة القلبية.
نصائح للاستعداد لشهر ذي الحجة والاستفادة منه
شهر ذي الحجة ليس مجرد موسم عابر، بل فرصة سنوية عظيمة لتجديد الإيمان، ورفع الدرجات، والتقرب إلى الله عز وجل. ولتحقيق أقصى فائدة منه، إليك مجموعة من النصائح العملية تبدأ قبل دخول الشهر وتستمر طوال أيامه:
1. التخطيط للعبادات خلال الشهر
الاستعداد يبدأ من وضع خطة عبادية متوازنة تناسب قدراتك وظروفك.
-
حدد أوقاتًا ثابتة يوميًا للذكر، وقراءة القرآن، والدعاء.
-
خصص جدولًا بسيطًا للصيام في الأيام الأولى (وخاصة يوم عرفة).
-
اختر أعمالًا يسيرة ولكن مستمرة، مثل التصدق أو صلة الرحم.
التخطيط المسبق يجعلك أكثر التزامًا ويمنعك من تضييع الفرص.
2. رخص الشرع لكبار السن في أداء العبادات
الإسلام دين رحمة، وقد راعى ضعف كبار السن في العبادات:
-
يُرخص لهم ترك الصيام إن كان فيه مشقة، مع إمكانية إطعام مسكين عن كل يوم.
-
يُجاز لهم أداء الصلاة جالسين أو على سريرهم إن تعذر الوقوف.
-
يثيبهم الله بنيّاتهم، حتى وإن عجزوا عن القيام ببعض الأعمال البدنية، فالنية الصادقة تُكتب بها الأعمال.
3. كيفية تحقيق أقصى استفادة روحية وجسدية
الجمع بين النفع الروحي والجسدي يضاعف بركة الشهر:
-
روحياً: داوم على الذكر الخفي والتفكر في معاني الحج، والتوبة الصادقة، والدعاء في أوقات الإجابة.
-
جسدياً: احرص على النوم الكافي لتقوم للتهجد، وابتعد عن الإرهاق، ووازن بين العبادة والراحة.
-
اجعل من شهر ذي الحجة محطة للصفاء النفسي، واغتنم لحظاته في العطاء والبذل والتقرب من الله بقلب مطمئن.
شهر ذي الحجة هو موسم من أعظم مواسم الطاعة، وأيامه العشر الأولى من أفضل أيام الدنيا، وفيها تتضاعف الأجور وتُفتح أبواب الرحمة والمغفرة. الأعمال الصالحة فيه لا تحتاج إلى جهدٍ كبير، بل إلى قلبٍ صادق، ونية مخلصة، وتخطيط بسيط يجعل منك من الفائزين.
اغتنم هذه الأيام المباركة في الذكر، والدعاء، والقرآن، والصلاة، والصدقة، وصيام يوم عرفة، ولا تنس أن تبادر إلى التوبة، وتصل الأرحام، وتحرص على نشر الخير ما استطعت. فربما لا تُدرك موسمًا مثل هذا مرة أخرى، فاجعل منه نقطة انطلاق نحو حياة أقرب إلى الله، وأبعد عن الغفلة.
الأسئلة الشائعة
1.ما هو فضل الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة؟
الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة هي أفضل أيام السنة على الإطلاق في العمل الصالح، وقد أقسم الله بها في سورة الفجر:
“والفجر، وليالٍ عشر.”
وفي الحديث الصحيح قال النبي ﷺ:
“ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام.”
2.هل يجب صيام جميع الأيام العشر من ذي الحجة؟
ليس واجبًا، لكنه مستحبٌ جدًّا. ويُعد صيام يوم عرفة (9 ذي الحجة) أعظمها أجرًا، ويُكفّر سنتين من الذنوب بإذن الله.
3.ما الفرق بين التكبير المطلق والتكبير المقيّد؟
-
التكبير المطلق: يُقال في جميع الأوقات من بداية الشهر وحتى نهاية أيام التشريق (13 ذي الحجة).
-
التكبير المقيّد: يُقال بعد الصلوات المفروضة من فجر يوم عرفة حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.
4.هل تُشرَع الأعمال الصالحة لكبار السن حتى لو لم يستطيعوا أداؤها كاملة؟
نعم. يُثاب الكبير على نية العمل ولو لم يستطع أداؤه كاملًا. كما يُرخص له في بعض العبادات (كالصيام والصلاة وقوفًا)، ويعوضها بالأذكار، والدعاء، والصدقة.
5.ما هي أفضل الأعمال في شهر ذي الحجة لغير الحاج؟
من أهمها:
-
الصيام، خاصة يوم عرفة
-
كثرة الذكر والتكبير
-
قراءة القرآن
-
الصدقة
-
الدعاء
-
صلة الرحم
-
التوبة والاستغفار
6.هل يُشرع أداء العمرة في شهر ذي الحجة؟
نعم، أداء العمرة في شهر ذي الحجة جائز ومستحب، لكن لا يختص بفضل خاص كما في رمضان. ومع ذلك، يُعد من الأعمال الصالحة المباركة في هذا الشهر الفضيل.