يعيش الشيوخ وكبار السن بالجنوب، ظروفا اجتماعية قاهرة، تسببت في إصابة نسبة كبيرة منهم بمرض “الزهايمر”، حيث تجاوزت نسبة الإصابة به الـ 60 من المائة، حسب تصريح مصدر طبي مختص لـ”الشروق”، نتيجة الأعمال الشاقة التي بذلها هؤلاء في ريعان شبابهم، وأضحى اليوم يؤثر بشكل كبير على حياتهم، وأرهق دويهم من تصرفاتهم.
يعتبر مرض “الزهايمر” أو فقدان الذاكرة الأكثر انتشارا في السنوات الأخيرة بالجنوب، لكنه نادراً ما يصيب الشباب، حيث تنتشر الإصابات بين 65 و74 سنه، وذلك بمعدل شخص واحد من بين كل 25 شخصا، أما من تجاوزوا الــ 85 سنة من العمر فإن النسبة تزداد وتصبح على الأقل شخصاُ واحداً في كل 5 أشخاص .
وحسب تصريح مصدر طبي مختص لـ”الشروق” عن مسبباته، حيث يعود إلى وجود تجمعات ليفيه وعصبيه وحبيبات هدم تسببها مادة تسمى “بيتا أميلويد”، وهي ماده تتواجد في دماغ المصابين بالمرض، وينتج عنها اضطراب في عملية نقل الإرشادات العصبية والكيماويات، ويصاحب مرض فقدان الذاكرة أو ما يعرف طبيا بـ “الزهايمر” أعراضا أخرى مثل التغير في الشخصية التصرفات الشاذة غير المتوقعة، ناهيك عن صعوبة اتخاذ القرارات، كما يمر ذات المرض بعدة مراحل منها المرحلة المبكرة والمتوسطة والمتأخرة .
هذا الواقع المرير يعيشه الكثير من المسنين المصابين بالمرض المذكور بالجنوب، حيث وجد عددا منهم أنفسهم في الشارع، بعد التخلي عنهم من قبل دويهم، في الوقت الذي غاب فيه دور الجمعيات الفاعلة بالمنطقة.
كما يتخبط باقي المسنين في جملة من المشاكل أنهكت أجسادهم الضعيفة، إذ وجد عددا من هؤلاء أنفسهم يعيشون في الشارع يفترشون الكرتون في عز موجات البرد ويقتاتون من القمامة، في ظل انعدام جهات وصية تعنى بهذه الفئة، وهو ما جعلهم عرضة لشتى أنواع الاعتداءات من طرف أشخاص منحرفين، فيما لجأ البعض الآخر إلى التسول أمام المساجد والمرافق العمومية لكسب استعطاف المواطنين من أجل الحصول على دنانير لسد رمق العيش.
معاناة حقيقية تختلف طقوسها من شيخا لأخر، في الوقت الذي غاب فيه دور فعاليات المجتمع المدني والجمعيات التي أولت أهمية لأشياء أخرى على حساب كبار السن الذين يعانون في صمت، من دون أن تكلف نفسها عناء توفير مسكن يحويهم ويحميهم من المخاطر التي قد يتعرضون إليها.
أما المتقاعدون من مختلف القطاعات فهم كذلك لم يسلموا من قبضة التهميش والذين وجدوا أنفسهم خارج مجال اهتمامات المسؤولين، ورغم تنصيب مكتب التنسيق الولائي للعمال المتقاعدين، لرفع الغبن عنهم من خلال تنظيم رحالات إلى الحمامات، والبقاع المقدسة لمكافأتهم على المجهودات التي قاموا بها طيلة مسارهم المهني، إلا أن هذا المكتب يكتفي فقط بتكريم عدد من المسنين في حدود إمكاناته الخاصة، وهذا لعدم تلقيه الدعم من المسؤولين، مطالبا من السلطات المعنية التفاتة للمتقاعدين وتدعيم المكتب ذاته بالمصاريف للاهتمام بهذه الشريحة.
وفي ظل هذا التهميش المبرمج من طرف المسؤولين وجد بعض كبار السن أنفسهم مجبرون على ولوج عالم الشغل مرة أخرى والقيام بالأعمال الشاقة كالبناء والفلاحة مقابل مبالغ مالية زهيدة، لعدم كفاية المنحة التي يتلقونها من طرف الدولة.
حتمية أقحمت المسنين والمتقاعدين في مجال العمل لعدة اعتبارات على غرار غلاء المعيشة وزيادة متطلبات العائلة وكذا خوفا من إصابتهم بمرض فقدان الذاكرة “الزهايمر”.